أعلنت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية عن التزامهما الكامل بتنفيذ بنود “اتفاق بكين”، في خطوة تعكس رغبة مشتركة في تعزيز الاستقرار الإقليمي وتطوير التعاون الثنائي. ويشمل هذا الالتزام إعادة تنشيط اتفاقيات سابقة في مجالات الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا، بهدف بناء علاقات قائمة على حسن الجوار والاحترام المتبادل. يأتي هذا الإعلان بعد مرور عام على التوصل إلى الاتفاق الذي رعته الصين، والذي أنهى حالة من الجمود الدبلوماسي استمرت لسنوات.

وقد تم الإعلان عن هذا التجديد للالتزام في ختام محادثات جرت في سلطنة عمان، بحضور وفود رفيعة المستوى من كلا البلدين. ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، يجرى حالياً وضع خطط تنفيذية مفصلة لتفعيل الاتفاقيات الموقعة، مع تحديد جداول زمنية واضحة ومؤشرات أداء قابلة للقياس.

أهمية اتفاق بكين وتداعياته على المنطقة

يمثل اتفاق بكين، الذي تم التوصل إليه في مارس 2023، نقطة تحول رئيسية في العلاقات السعودية الإيرانية. فقد أنهى الاتفاق قطيعة دبلوماسية استمرت منذ عام 2016، والتي كانت مصحوبة بتصاعد التوترات الإقليمية. ويهدف الاتفاق بشكل أساسي إلى إعادة بناء الثقة بين البلدين، وتجنب المزيد من التصعيد، والبحث عن حلول مشتركة للتحديات التي تواجه المنطقة.

تفعيل الاتفاقيات الثنائية

يشمل التزام الرياض وطهران تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة عام 2001، والتي تهدف إلى مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتعزيز الأمن الحدودي. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إحياء الاتفاقية العامة للتعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والتجارة والاستثمار، مما قد يفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون الاقتصادي.

الآثار المحتملة على القضايا الإقليمية

يرى مراقبون أن التقارب السعودي الإيراني يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على العديد من الملفات الإقليمية المعقدة. ففي اليمن، قد يساهم الحوار المباشر بين الطرفين في دعم جهود السلام والتوصل إلى حل سياسي شامل. وبالمثل، في سوريا ولبنان، قد يساعد هذا التقارب في تخفيف حدة التوترات والانقسامات، وتهيئة المناخ المناسب للتسويات السياسية.

الاستراتيجية السعودية والإيرانية في ضوء اتفاق بكين

تتوافق هذه الخطوة مع رؤية المملكة 2030، التي تولي أهمية قصوى لتحقيق الاستقرار الإقليمي كعنصر أساسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها وجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يتطلب بيئة إقليمية هادئة ومستقرة.

في المقابل، تسعى إيران إلى كسر العزلة الدولية التي فرضت عليها نتيجة للسياسات الخارجية، وتحسين وضعها الاقتصادي من خلال تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع جيرانها العرب. ويعد اتفاق بكين فرصة لإيران لتقديم نفسها كشريك مسؤول في المنطقة، والمساهمة في تحقيق الاستقرار والأمن. كما أنه يعزز من دورها في مبادرات التنمية الإقليمية.

الدور الصيني المتنامي في الشرق الأوسط

يعتبر نجاح الدبلوماسية الصينية في التوصل إلى اتفاق بكين مؤشراً على تغير في موازين القوى الدولية، وتنامي الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط. فقد أظهرت الصين قدرتها على بناء جسور الثقة بين الأطراف المتنازعة، وتقديم حلول عملية للتحديات التي تواجه المنطقة.

ويعكس هذا الدور طموحات الصين في توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة، وتعزيز شراكاتها مع دولها الرئيسية. وتعتبر الصين من أكبر مستوردي النفط من منطقة الشرق الأوسط، وهي مهتمة بالحفاظ على استقرار إمدادات الطاقة.

الخطوة التالية المتوقعة هي عقد اجتماعات ثنائية دورية بين مسؤولي البلدين لمناقشة تفاصيل تنفيذ الاتفاقيات الموقعة، ومعالجة أي عقبات أو تحديات قد تواجه عملية التعاون. مع ذلك، تبقى بعض التحديات قائمة، بما في ذلك الخلافات حول القضايا الإقليمية الأخرى، مثل النزاع في اليمن ودور حزب الله في لبنان. سيتطلب الحفاظ على هذا التقارب بذلاً لجهود مستمرة ومرونة في التعامل مع هذه القضايا الحساسة.

شاركها.