تستعد وزارة المالية السعودية لإحداث تغيير جذري في نظام الرقابة المالية الحكومية، وذلك بإلغاء نظام “الممثلين الماليين” الذي استمر لعقود، واستبداله بإطار عمل جديد يركز على الحوكمة والرقابة المتعددة والتكامل الرقمي. يأتي هذا التغيير بموجب نظام الرقابة المالية الجديد الذي نشر في الجريدة الرسمية، ويهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام. ومن المتوقع أن يدخل النظام حيز التنفيذ بعد فترة انتقالية مدتها 120 يومًا.

يهدف النظام الجديد، وفقًا لبيان وزارة المالية، إلى الانتقال من نموذج رقابي تقليدي يعتمد على الموافقة المسبقة على الصرف، إلى منظومة شاملة لإدارة المخاطر وتعزيز النزاهة والانضباط المالي. سيتحمل بموجبه كل جهاز حكومي مسؤولية مباشرة عن سلامة وصحة عملياته المالية، مما يعكس تحولًا نحو الرقابة اللاحقة والوقائية.

نظام الرقابة المالية: تحول من المركزية إلى التعددية

تعتمد وزارة المالية في النظام الجديد على أربعة أساليب رئيسية للرقابة المالية، وهي: الرقابة المباشرة، والرقابة الذاتية، والرقابة الرقمية، ورقابة التقارير. يسمح هذا التنوع للوزارة بتحديد الأسلوب الأنسب لكل جهة حكومية، أو الجمع بين عدة أساليب بناءً على تقييم مستوى المخاطر وكفاءة أنظمة الرقابة الداخلية لديها.

يُعد هذا التغيير بمثابة نقلة نوعية في أساليب الرقابة الحكومية في المملكة، حيث يركز على تمكين الجهات الحكومية من خلال تعزيز الرقابة الذاتية، مع الاستفادة من التكنولوجيا في الرقابة الرقمية لزيادة الكفاءة والفعالية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تعزيز دور الرقابة اللاحقة من خلال تقارير دورية تفصيلية.

مقارنة بين النظام القديم والجديد

كان النظام السابق يعتمد بشكل كبير على “الممثل المالي” داخل كل جهاز حكومي، والذي كان يتمتع بسلطة الموافقة على الصرف. اعتمد هذا النظام على إجراءات يدوية ورقابية مركزية، مما أدى إلى بعض التأخيرات والتعقيدات الإدارية.

في المقابل، يلغي النظام الجديد دور الممثل المالي بالكامل، ويعيد توزيع المسؤوليات بين وزارة المالية والجهات الحكومية. كما يؤكد على استقلالية المراقبين الماليين، ويحدد دورهم بوضوح وفقًا لمعايير مهنية عالية.

يُركز النظام الجديد على الحوكمة المالية الشاملة، وتكامل الأدوار مع الأجهزة الرقابية الأخرى مثل الديوان العام للمحاسبة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد. هذا التكامل يضمن تغطية شاملة لجميع جوانب الرقابة المالية، وتجنب الازدواجية في الجهود.

توسيع نطاق الرقابة ليشمل القطاع شبه الحكومي

لا يقتصر تطبيق نظام الرقابة المالية الجديد على الجهات الحكومية التقليدية فحسب، بل يمتد ليشمل أيضًا الجهات التي تتلقى دعمًا ماليًا من الخزينة العامة، أو تنفذ مشاريع حكومية، أو تقوم بتحصيل الإيرادات العامة. ستخضع هذه الجهات لرقابة التقارير فيما يتعلق بالأموال والأعمال المرتبطة بالمال العام.

يهدف هذا التوسع إلى سد الفجوة الرقابية بين القطاعين العام وشبه الحكومي، وضمان تطبيق معايير الشفافية والمساءلة على جميع الكيانات التي تتعامل مع المال العام. ومع ذلك، يراعي النظام مرونة هذه الكيانات من خلال عدم فرض أعباء تنظيمية مفرطة.

تعزيز المساءلة والشفافية

يُلقي النظام الجديد مسؤولية واضحة على عاتق الجهات الخاضعة له فيما يتعلق بصحة العمليات المالية، وكفاية أنظمة الرقابة الداخلية، والاستجابة لملاحظات وزارة المالية. كما يحدد إطارًا واضحًا للمخالفات والإجراءات التصحيحية، ويربط التحقيق والعقوبات بالأنظمة التأديبية المعمول بها.

بالإضافة إلى ذلك، يلزم النظام الجديد وزير المالية بتقديم تقرير سنوي إلى رئيس مجلس الوزراء حول أعمال الرقابة المالية. يعزز هذا الإجراء مستوى الإشراف والحوكمة على أعلى مستوى في الدولة، ويضمن مساءلة الجهات المسؤولة عن إدارة المال العام. وتشمل هذه الإجراءات أيضًا تعزيز الرقابة الداخلية.

من المتوقع أن يصدر النظام الجديد لائحة تنفيذية وتعليمات تنظيمية تفصيلية خلال فترة الـ 120 يومًا القادمة. سيراقب المختصون عن كثب تفاصيل هذه اللائحة لتقييم تأثيرها الكامل على الجهات الحكومية وشبه الحكومية. كما سيتم متابعة مدى فعالية تطبيق النظام في تحقيق أهدافه المتمثلة في تعزيز الشفافية والمساءلة وحماية المال العام، بالإضافة إلى تطوير الإدارة المالية.

شاركها.