من المتوقع أن تشهد المملكة العربية السعودية تطورات كبيرة في قطاعها العقاري مع ظهور أولى ملامح الترميز العقاري بحلول عام 2026. يهدف هذا التحول إلى زيادة السيولة في السوق، وتسهيل الاستثمار، ودعم مشاريع التطوير العقاري الطموحة. الخطوة تأتي في إطار رؤية المملكة 2030 لتنويع الاقتصاد وتعزيز مكانتها كمركز مالي عالمي.
أعلن الرئيس التنفيذي للسجل العقاري السعودي، محمد السليمان، أن المملكة تعمل على وضع البنية التحتية القانونية والتنظيمية اللازمة لتفعيل الترميز العقاري للسجلات العقارية. وتسعى السعودية لتكون الدولة الأولى عالمياً التي تتبنى هذا النوع من التنظيم، بالتعاون بين الهيئة العامة للعقار والشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار.
ما هو الترميز العقاري وأهميته؟
الترميز العقاري، أو Tokenization، هو عملية تحويل حقوق الملكية في العقارات إلى رموز رقمية قابلة للتداول على تقنية البلوك تشين. هذه الرموز تمثل حصصاً جزئية في العقار، مما يتيح للمستثمرين شراء وبيع هذه الحصص بسهولة وبتكلفة أقل مقارنة بالمعاملات التقليدية. يعتبر هذا المفهوم جزءاً من التوجه الأوسع نحو الأصول الرقمية وتقنيات التمويل اللامركزي (DeFi).
فوائد الترميز العقاري للمستثمرين والمطورين
يوفر الترميز العقاري العديد من المزايا، بما في ذلك زيادة السيولة، وتقليل التكاليف، وتحسين الشفافية في المعاملات. كما يتيح للمستثمرين الوصول إلى فرص استثمارية كانت في السابق حكراً على فئة معينة من الأفراد أو المؤسسات. بالنسبة للمطورين العقاريين، يمكن أن يساعد الترميز في جمع التمويل اللازم لمشاريعهم بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم الترميز العقاري في تبسيط إجراءات البيع والشراء، وتقليل الاعتماد على الوسطاء، وتسريع عمليات التسجيل. هذا بدوره يعزز الثقة في السوق العقاري ويجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.
البيع بالمشاع والعقود الذكية: ركيزتان أساسيتان
يرتبط الترميز العقاري ارتباطاً وثيقاً بمفهوم البيع بالمشاع، حيث يتم تقسيم العقار إلى حصص صغيرة قابلة للبيع. هذه الحصص يتم تمثيلها بالرموز الرقمية التي يتم تداولها عبر منصات البلوك تشين. وفقاً لتصريحات السليمان، ستكون هذه الرموز مرتبطة بعقود ذكية تضمن حقوق جميع الأطراف المعنية.
العقود الذكية هي برامج حاسوبية ذاتية التنفيذ، تعمل على البلوك تشين، وتقوم بتنفيذ شروط العقد تلقائياً عند استيفاء الشروط المحددة. هذا يقلل من مخاطر الاحتيال والتلاعب، ويزيد من كفاءة المعاملات. تعتبر العقود الذكية عنصراً أساسياً في بناء نظام ترميز عقاري موثوق وآمن.
التطورات التنظيمية والتشريعية
تعتبر الجوانب التنظيمية والتشريعية من أهم التحديات التي تواجه تطبيق الترميز العقاري. وتعمل الهيئة العامة للعقار في السعودية بشكل وثيق مع الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار لوضع الإطار القانوني المناسب الذي يحكم هذه العملية. يهدف هذا الإطار إلى حماية حقوق المستثمرين، وضمان الشفافية، ومنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقد أشارت الهيئة العامة للعقار إلى أنها تدرس أفضل الممارسات الدولية في مجال تنظيم الأصول الرقمية، وتعمل على تكييفها لتناسب البيئة القانونية والاقتصادية في السعودية. كما أنها تتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى ذات الصلة، مثل البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية، لضمان التكامل والتنسيق بين مختلف الأنظمة واللوائح.
بالإضافة إلى ذلك، هناك اهتمام متزايد بتطوير معايير موحدة للترميز العقاري، لضمان قابلية التشغيل البيني بين مختلف المنصات والأنظمة. هذا سيساعد على تعزيز الثقة في السوق، وتشجيع المزيد من المستثمرين على المشاركة.
تأثير الترميز العقاري على السوق العقاري السعودي
من المتوقع أن يكون للترميز العقاري تأثير كبير على السوق العقاري السعودي، حيث يمكن أن يساهم في زيادة السيولة، وتوسيع قاعدة المستثمرين، وتحسين كفاءة المعاملات. كما يمكن أن يساعد في تطوير منتجات استثمارية جديدة ومبتكرة، تلبي احتياجات مختلف شرائح المستثمرين.
بالنظر إلى حجم السوق العقاري في السعودية، والذي يعتبر من أكبر الأسواق في منطقة الشرق الأوسط، فإن إمكانات الترميز العقاري هائلة. وتشير التقديرات إلى أن حجم الأصول العقارية في السعودية يتجاوز تريليون دولار، مما يعني أن هناك فرصة كبيرة لتحويل جزء من هذه الأصول إلى رموز رقمية قابلة للتداول. الاستثمار العقاري الرقمي (Real Estate Investment Trust – REIT) هو مثال على ذلك.
ومع ذلك، هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها قبل أن يتمكن الترميز العقاري من تحقيق كامل إمكاناته. وتشمل هذه التحديات الحاجة إلى تطوير البنية التحتية التقنية اللازمة، وتوفير التدريب والتوعية للمستثمرين، ومعالجة المخاوف المتعلقة بالأمن السيبراني وحماية البيانات.
الخطوة التالية المتوقعة هي إعلان الهيئة العامة للعقار عن التفاصيل النهائية للإطار التنظيمي والتشريعي للترميز العقاري، والذي من المتوقع أن يتم بحلول عام 2026. سيكون من المهم مراقبة كيفية تنفيذ هذا الإطار، وكيفية استجابة السوق له، وما هي التحديات التي قد تظهر في المستقبل. كما يجب متابعة تطورات تقنية البلوك تشين، وتأثيرها على قطاع العقارات.






