أكد الرئيس اللبناني أن التفاهم الأخير بشأن ترسيم الحدود البحرية يمثل نقطة تحول استراتيجية في المنطقة، مشدداً على أنه يجنب لبنان والمنطقة خطر التصعيد العسكري. ويعتبر هذا الاتفاق خطوة حاسمة نحو استقرار اقتصادي وأمني للبنان، الذي يعاني من أزمة عميقة منذ عام 2019. يهدف الاتفاق إلى تحديد مناطق التنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، ووضع حد للنزاعات الحدودية المستمرة.
جاء هذا التصريح بعد إعلان رسمي عن التوصل إلى اتفاق نهائي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، برعاية الولايات المتحدة والأمم المتحدة. تم التوقيع على الاتفاق في 26 أكتوبر 2022، في مقر الأمم المتحدة في الناقورة جنوب لبنان، بحضور الوفود الرسمية من كلا البلدين. يمثل هذا الإنجاح الدبلوماسي نهاية سنوات من المفاوضات المعقدة، والتي هدفت إلى حل نزاع طويل الأمد حول منطقة بحرية غنية بالموارد الطبيعية.
أهمية ترسيم الحدود البحرية للاقتصاد اللبناني
يحمل هذا التفاهم أهمية اقتصادية كبيرة للبنان، الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه. فالقدرة على استكشاف واستغلال موارد النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة قد توفر تدفقات نقدية حيوية للخزينة اللبنانية. تتوقع الحكومة اللبنانية أن تساهم هذه الموارد في تحسين الوضع المالي، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتوفير فرص عمل جديدة.
مسار المفاوضات والتحديات
لم يكن التوصل إلى هذا الاتفاق سهلاً، حيث استمرت المفاوضات غير المباشرة لسنوات عديدة. تضمنت الخلافات الرئيسية تحديد الخطوط البحرية المتنازع عليها، مثل الخط 29، وحقوق التنقيب في حقول غازية مثل “قانا” و”كاريش”. وقد لعبت الوساطة الأمريكية، بقيادة آموس هوكشتاين، دوراً حاسماً في تذليل الخلافات وتقديم مقترحات حل وسط مقبولة للطرفين.
التعاون مع الشركات العالمية
بدأ لبنان بالفعل في اتخاذ خطوات عملية للاستعداد لعمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز. وقد تم توقيع اتفاقية مع شركة “توتال إنيرجي” الفرنسية، بالإضافة إلى شركة “إيني” الإيطالية، لتشكيل تحالف يقوم بتنفيذ هذه العمليات. من المتوقع أن تبدأ عمليات الحفر الاستكشافية في حقل قانا في الربع الأول من عام 2023، مما يمثل بداية حقبة جديدة في قطاع الطاقة اللبناني.
الأبعاد الإقليمية والدولية للاتفاق
يتجاوز تأثير هذا الاتفاق حدود لبنان وإسرائيل، ويمتد ليشمل منطقة شرق المتوسط بأكملها. فهو يساهم في تعزيز أمن الطاقة العالمي، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة والحاجة إلى مصادر طاقة بديلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق يقلل من خطر نشوب صراعات عسكرية في المنطقة، ويعزز الاستقرار الإقليمي.
يعتبر هذا التفاهم سابقة إيجابية للتعاون الإقليمي في مجال الطاقة والموارد الطبيعية. قد يشجع الاتفاق دولاً أخرى في المنطقة على حل نزاعات الحدود البحرية من خلال المفاوضات الدبلوماسية، بدلاً من اللجوء إلى الخيارات العسكرية. كما أنه يعزز دور القانون الدولي في تنظيم العلاقات بين الدول.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات التي تواجه تنفيذ هذا الاتفاق. يتضمن ذلك ضمان الالتزام الكامل بشروط الاتفاق من قبل جميع الأطراف، وتجنب أي استفزازات أو تصعيدات في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، يجب على لبنان أن يضع إطاراً قانونياً وتنظيمياً واضحاً لقطاع النفط والغاز، لضمان إدارة هذه الموارد بشكل شفاف وفعال.
في الختام، يمثل اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل خطوة تاريخية نحو الاستقرار والازدهار في المنطقة. الخطوة التالية المتوقعة هي بدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز في حقل قانا، مع مراقبة دقيقة للوضع الأمني والسياسي في المنطقة. يبقى من المبكر تحديد التأثير الكامل لهذا الاتفاق على الاقتصاد اللبناني والوضع الإقليمي، ولكن المؤشرات الأولية تبعث على التفاؤل.


