‏قاد مقطع فيديو كاذب، بثه طفل في المرحلة الابتدائية، إحدى أكبر عمليات الإرجاف، شارك به عشرات من رواد منصات التواصل الاجتماعي وأصحاب الحسابات السوداء؛ الذين وجهوا سهامهم مستغلين شائعة الطفل لتشويه صورة التعليم والأمن.

ما بثه الطفل من شائعة ومزاعم كاذبة تحولت بفعل بعض منصات التواصل الاجتماعي لعمليات إرجاف منظمة، تقوده حسابات سوداء تدار من جهات معادية ومجموعات مدربة تعمل وفق أجندة خاصة وأهداف جيوغرافية وسياسية متنوعة، تسعى للترويج لوجهة نظر محددة جندت لأجلها مستخدمة مختلف منصات الإنترنت، لترويج الشائعات والأكاذيب وخلق البلبلة ونشر الكراهية.

زعم الطفل كذباً، تعرضه للاعتداء داخل مدرسته، مشيرا إلى تورط معلمين، وما هي إلا لحظات حتى طار المغردون المغرضون بذلك المقطع ليهاجموا المعلمين والمعلمات و الوزارة واتهامهم بالتهاون وعدم الجدية مع أصحاب السلوك غير القويم، بل تعدى البعض إلى نشر صور المعلمين متهما إياهم بمزاعم باطلة.

موجة الإرجاف التي سار خلفها البعض و قادتها حسابات سوداء لم تستمر طويلا بعد أن أعلنت الجهات الأمنية المختصة عدم صحة ما ذكره الطفل، ليصبح من تناقل الكذبة مسؤولين عن ما كتبت أياديهم وما تناقلته ألسنتهم.

وبحسب البيان «إلحاقاً لما تم إعلانه من ادعاء الطفل في محتوى مرئي تعرضه للاعتداء فقد تبين عدم صحة ذلك، وجرى اتخاذ الإجراءات النظامية حيال ذلك.

وكانت شرطة المنطقة، قد باشرت بالتنسيق مع النيابة العامة ووزارة التعليم ومر

التضليل و سوء الشائعة

الخبير الأمني اللواء متقاعد مسعود العدواني، يرى أن الإرجاف أشد من الشائعة، لأن الشائعة عامة في نقل جميع الأخبار، حسنها وسيئها، أما الإرجاف فهو خاص بنقل الأخبار السيئة والتضليل الإعلامي، وظهر ذلك جليا في الحملة التي قادتها حسابات مجهولة وجهات معادية حاولت استغلال مزاعم الطفل، وسارعت في نقل المعلومات المغلوطة والأكاذيب المفبركة والشائعات المغرضة وهو ما هدفوا إليه عمدا، فالشائعات من أسباب إضعاف قوة وإمكانات وقدرات الدول متى ما وجدت من يسمح بمرورها أو يعزز تأثيرها في المجتمع بإشاعة الخوف ونشر الرعب، غير أن فطنة المجتمع لتلك المحاولات و سرعة إعلان الحقائق يحبط تلك المحاولات، وأؤكد أن المواطن المخلص الشريف والمقيم الواعي، يدركان تماماً أن الأمن كلٌ لا يتجزأ بمفهومه الشامل والمتكامل وفق أبعاده القديمة والحديثة بعدم نشر الشائعة وانتظار كشف الحقائق والمسارعة إلى إبلاغ جهات الاختصاص بكل الشكوك والظنون لحفظ أمنهم والمجتمع.

اللواء العدواني، بين أن جريمة الإرجاف تعتبر من أخطر الجرائم المهددة لأمن الدول وبقاء كياناتها، مشيراً إلى خطورة وآثار تلك الجريمة على جميع مستويات الأمن الوطني. في المقابل أصبح لدى المجتمع وعي بهذه العمليات، ويشهد التاريخ كيف كان للسعوديين على الشبكات الاجتماعية دور كبير في تنمية الوعي، وخلق وعي جديد لديهم ورفع الحس الوطني لديهم هو ما لم يتوقعه الأعداء في محاولاته والتي تحطمت على صخور الجبهة الداخلية سريعا ولا بد من استمرار توعية النشء والمجتمع بمن يترصد بهم من الأعداء.

وأوضح العدواني أن واجبات المواطن والمقيم الإبلاغ عن الأخبار الكاذبة، وذلك عبر تقديمها إلى جهات الاختصاص، وطرق التواصل معهم متاحة إلكترونياً وعبر الجوال وفي منصاتهم الرسمية وعبر مراكزهم المعروفة التي تستقبل الجميع وبكل ترحاب.

وأشار العدواني إلى أن المجتمع يشهد طفرة غير مسبوقة في منصات التواصل الاجتماعي، التي شهدت تطورا في حياة الأفراد، إذ جاءت لتشكل عالمًا افتراضيًا واسعا وسرعة في تناقل المعلومة و هو ما استغله البعض من ضعاف النفوس والأعداء في بث الشائعة وقيادة عمليات الإرجاف وإغراق المجتمع بالشائعات.

محذراً من منصات التواصل الاجتماعي التي تنشر الأخبار الزائفة والمضللة، وعدم الاعتماد على أخبارها لتكون مصدرا رسميا لاستقاء المعلومات، وأن نستسقي المعلومات من مصادرها حتى لا نقع في الخطأ وحتى نفوت على هؤلاء تحقيق أهدافهم من النيل من مجتمعنا ومن فيه.

تحريض وحسابات سوداء

ويرى الباحث الأمني والخبير في الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية محمد السريعي، أن الحسابات السوداء هدفها الهجوم الممنهج على الوطن، والسعي إلى تضليل وعي المجتمع مستخدمة منشورات تحريضية هدامة. فالحسابات السوداء تحمل أيديولوجيا التفرقة والتعصب وبث الكراهية، مستخدمة طرقاً عديدة مختلفة ما بين اختلاق المزاعم وقلب الحقائق لتحقيق مرادها وتحويل كل منجز ليصبح سهماً موجهاً نحو خاصرة الوطن.

فالحسابات الوهمية أهدافها جيوغرافية متنوعة تسعى لترويج الشائعات والأباطيل مستخدمة في ذلك مختلف منصات الإنترنت، متخفين خلف أسماء وهمية وألقاب مستعارة، لتوجه سمومها نحو المجتمع الآمن عبر تغريدات معادية لزعزعة الثقة بالمجتمع وهو اسلوب قديم ومعروف لذا يجب الحذر وتفويت الفرص على مروجي الفتن وكارهي المجتمع.

جريمة موجبة للتوقيف

عدّ المحامي والمستشار القانوني ماجد الأحمري، نشر الأخبار الكاذبة والشائعات باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات جريمة إلكترونية وفقاً لـقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في المملكة، لذا فإن صياغة وترويج الأخبار الكاذبة، تصنف ضمن لائحة «الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف».

والنظام فرض عقوبات محددة ضد كل من يثبت تورطه في بث الشائعات ونشر المعلومات والأخبار الكاذبة، وكل ما من شأنه تضليل المجتمع، أو المساس بأمنه الصحي والمجتمعي أو إثارة طمأنينة أفراده وسكينتهم.

حسن النية لا يعفي من العقوبة

المحامي والمستشار القانوني رامي الشريف، أكد أن الانسياق خلف الحملات المُمنهجة والمغرضة والمعلومات المفبركة، التي تجد في منصات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لها، أمر بالغ الخطورة؛ ولا يُعفى المشاركون فيها من تطبيق الأنظمة بحقهم، حتى إن كانت مشاركاتهم بنية حسنة.

ويحظر إنتاج الشائعات التي من شأنها المساس بالنظام العام، أو إعدادها، أو إرسالها، أو تخزينها عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي. مضيفا: تصل عقوباتها إلى السجن خمس سنوات، والغرامة ثلاثة ملايين ريال، ونشر ملخص الحكم في الصحف على نفقة المحكوم.

وشدد الشريف، أن المادة (13) من النظام تنص على مصادرة الأجهزة المستخدمة في الجريمة، وإغلاق الموقع الإلكتروني أو الحساب المستخدم أو مكان تقديم الخدمة متى كانت الجريمة قد ارتكبت بعلم المالك. ووفقاً للمادة (9) من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية؛ يعاقب كل من حرض أو ساعد أو اتفق على ارتكاب أي من الأفعال الجرمية آنفة الذكر بالعقوبة المقررة على الفاعل الأصلي.

سجن وغرامة ومصادرة

أكد مصدر مسؤول في النيابة العامة، أن نشر الشائعات والأكاذيب حول أي أمر من الأمور المتعلقة بالنظام العام، أو الترويج لها، أو المشاركة فيها بأي طريقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ وخصوصاً تلك التي يكون منشؤها جهات معادية تُدار من الخارج، يعد من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، وفقا لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية ونظام الإجراءات الجزائية.

وأضاف المصدر: أن هذه الأفعال ترتب عليها عقوبات مُغلّظة تصل إلى السجن خمس سنوات وغرامة ثلاثة ملايين ريال ومصادرة الأجهزة والأدوات المستخدمة ونشر الحكم المقضي به بعد اكتسابه للصفة النهائية. وتطال هذه العقوبات كل من أعد أو أرسل أو خزن عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي، كما تشمل كل من حرض أو ساعد أو اتفق على ارتكاب هذه الجريمة.

ودعا المصدر الجميع، الى استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية؛ وعدم الانجراف وراء الشائعات أو المشاركة في نشرها، وإلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة منها، بعيداً عن الانخراط في مغبات توجب المُساءلة الجزائية.

وأكدت النيابة، أنها لن تتهاون مع كل من يتبين تجاوزه بمثل تلك الأنشطة لينال أقصى العقوبات المقررة شرعاً ونظاماً.

شاركها.