نجحت رئاسة الدنمارك لمجلس الاتحاد الأوروبي في تحقيق تقدم ملحوظ في العديد من السياسات، بما في ذلك تبسيط الإجراءات التنظيمية، وهو ما يعتبر أولوية رئيسية لكوبنهاغن. وقالت وزيرة الشؤون الأوروبية الدنماركية، ماري بيير، في برنامج “12 دقيقة مع” على قناة يورونيوز، أن التقدم شمل مجالات الأمن والدفاع، بالإضافة إلى تعزيز القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي في مواجهة تحديات من الصين والولايات المتحدة. يهدف هذا التقدم إلى تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات في أوروبا.

منذ تولي الدنمارك الرئاسة الدورية للمجلس في الأول من يوليو 2025، وضعت جدول أعمال يركز على معالجة “البيروقراطية” و “الإفراط في التنظيم”. وقد تزايدت الدعوات لتبسيط الإجراءات داخل الاتحاد الأوروبي بهدف إزالة العقبات التي تعيق النمو الاقتصادي، وفقًا لتقارير سابقة من المفوضية الأوروبية. تسعى الدنمارك من خلال هذه الرئاسة إلى إعادة أوروبا إلى موقع تنافسي أقوى على الساحة العالمية.

تعزيز القدرة التنافسية يتطلب تخفيف القيود التنظيمية

أعلنت المفوضية الأوروبية عن عشر حزم “تبسيط” أو مقترحات “أومنيبوس” تهدف إلى تقليل الحجم والتعقيد في اللوائح الأوروبية في مجالات متنوعة مثل الزراعة والدفاع والرقمنة. وقد تمكنت الرئاسة الدنماركية من التوصل إلى اتفاق بشأن ثلاث من هذه الحزم مع البرلمان الأوروبي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الأهداف المرجوة.

أعربت بيير عن ارتياحها بشكل خاص لموافقة البرلمان الأوروبي على حزمة “أومنيبوس 1” في وقت سابق من هذا الشهر، والتي تتضمن تخفيضات في متطلبات إعداد التقارير المتعلقة بالاستدامة والعناية الواجبة. وتؤكد بيير أن هذه التخفيضات ستسهل الأمور على الشركات الأوروبية، مما يعتبر خطوة أولى نحو تحسين القدرة التنافسية في أوروبا.

إلا أن هذه الخطوات أثارت جدلاً، حيث يرى البعض أنها قد تقوض جهود الاتحاد الأوروبي في مجال الاستدامة، وهو جزء أساسي من الصفقة الخضراء الأوروبية. لكن بيير ردت على هذه الانتقادات قائلة إن تعزيز القدرة التنافسية أمر ضروري لتحقيق أهداف المناخ، وأن الاقتصاد القوي ضروري لتطوير التقنيات الخضراء الجديدة.

وأضافت أن هذه التقنيات لا يمكن أن تزدهر إلا في بيئة اقتصادية جيدة تسمح للشركات بالتوسع وإيجاد الاستثمارات. وتعتبر بيير أن تحقيق النمو الاقتصادي والتقدم في مجال الاستدامة يسيران جنبًا إلى جنب.

الرقمنة وتأثيرها على القدرة التنافسية

بالإضافة إلى حزمة “الرقمنة”، التي تهدف إلى جعل الشركات الرقمية أكثر قدرة على المنافسة، أشارت بيير إلى أن هذه الخطوات ليست رد فعل على التهديدات التجارية الأمريكية، بل هي ضرورة أوروبية قائمة بذاتها. وقد أكد تقرير سابق أعده ماريو دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، على أن الإفراط في التنظيم يمثل عائقًا كبيرًا أمام النمو الرقمي في أوروبا.

وبالتالي، فإن جهود تبسيط الإجراءات في مجال الرقمنة تأتي في سياق سعي الاتحاد الأوروبي لتعزيز مكانته كمركز للابتكار والتكنولوجيا، و ليس بسبب ضغوط خارجية. و تسعى المبادرات الجديدة إلى تسهيل دخول الشركات الناشئة إلى السوق الأوروبية و تشجيع الاستثمار في التقنيات الرقمية.

تأثير النموذج الدنماركي على سياسات الهجرة بالاتحاد الأوروبي

بالتزامن مع جهود تعزيز القدرة التنافسية، قادت الرئاسة الدنماركية أيضًا مفاوضات بشأن سياسات الهجرة، بما في ذلك التوصل إلى اتفاق بشأن مفهوم “الدولة الثالثة الآمنة” الذي يسمح بمعالجة طلبات اللجوء في “مراكز العودة” خارج الاتحاد الأوروبي، و تسريع عمليات الترحيل. و تعتبر بيير أن هذه التطورات أمر حيوي لتعزيز أمن أوروبا و السيطرة بشكل أفضل على تدفقات المهاجرين.

النموذج الدنماركي في مجال الهجرة، الذي كان في السابق موضع انتقادات شديدة، بدأ يكتسب زخمًا وتأثيرًا في سياسات الهجرة على مستوى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، ترى بيير أن هذا التأثير لا يزال غير كافٍ.

وتشير إلى أن هناك حاجة لمزيد من التغييرات في الاتفاقيات الدولية، مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لتسهيل ترحيل المجرمين والمهاجرين غير الشرعيين. وتضيف أن الحفاظ على الثقة في المؤسسات الديمقراطية يتطلب أن تكون القوانين من صنع السياسيين المنتخبين، وليس من صنع المحاكم أو الاتفاقيات الدولية. ويعد هذا الموضوع من القضايا الشائكة التي تتطلب دراسة متأنية و إيجاد حلول توافقية.

أما بالنسبة لرئاسة قبرص القادمة للاتحاد الأوروبي، والتي ستبدأ في الأول من يناير 2026، فقد نصحت بيير بالتركيز على القضايا الرئيسية المتمثلة في الأمن والدفاع و القدرة التنافسية. و أعربت عن ثقتها في أن قبرص ستبذل قصارى جهدها في هذه المجالات، وأنها تتطلع إلى رؤية المزيد من التقدم نحو تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب.

الخطوة التالية المتوقعة هي أن تستمر الدول الأعضاء في تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال الرئاسة الدنماركية. ومن المتوقع أن يشهد العام القادم مناقشات مكثفة حول تفسير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، و قد تتطلب هذه المناقشات تدخل محكمة العدل الأوروبية.

شاركها.