جمعت الشركات في قطاع التقنية الصيني مليارات الدولارات من رأس المال لتطوير قُدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية الأخرى. وتصدرت مجموعة “علي بابا” و”تينسنت” و”بايدو” (Baidu) موجة إصدارات السندات، إذ حصدت أكثر من 5 مليارات دولار في سبتمبر وحده.

يتزايد الاستثمار العالمي في الذكاء الاصطناعي منذ إطلاق منصة “تشات جي بي تي” (ChatGPT) من “أوبن إيه آي” (OpenAI) للجمهور في عام 2022. لكن طفرة التمويل تسارعت هذا العام، لا سيما بعد أن قلبت شركة “ديب سيك” (DeepSeek) الصينية الصناعة رأساً على عقب عبر نموذجها منخفض التكلفة الرائد متحدّيةً مفهوم التفوق التقني الأميركي.

مع اشتداد المُنافسة، تضخ شركات التقنية الصينية العملاقة -بالإضافة إلى نظيراتها الأميركية مثل “ميتا” و”مايكروسوفت”- مبالغ غير مسبوقة من المال في تطوير الذكاء الاصطناعي، الذي لديه القدرة على تحويل الاقتصادات وحتى تشكيل التوازن الجيوسياسي في العالم.

لماذا تجمع شركات التقنية العملاقة في الصين الأموال؟

إن تدريب وتشغيل نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي مسعى مُكلف نظراً لضخامة قوة الحوسبة والمواهب الهندسية والبنية التحتية المطلوبة.

ستحتاج شركات التقنية العملاقة الصينية أن تنفق مليارات لتمويل توسعها الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي لا يستهدف فقط التطبيقات الأحدث مثل القيادة الذاتية، ولكن أيضاً لتعزيز النشاطات القائمة على تنوعها، من الإعلان إلى الألعاب والمحتوى.

يُمكن أن يتجاوز إجمالي الإنفاق الرأسمالي على البنية التحتية وخدمات الذكاء الاصطناعي من شركات “علي بابا” و”تينسنت” و”بايدو” و”جيه دي.كوم” (JD.com) 32 مليار دولار في عام 2025، وفقاً لـ”بلومبرغ إنتليجنس”. وهذه قفزة كبيرة من أقل من 13 مليار دولار في عام 2023.

اقرأ أيضاً: “علي بابا” تقود موجة تمويل شركات التكنولوجيا الصينية

تتصدر “علي بابا” المجموعة وتُخطط لاستثمار 380 مليار يوان (53 مليار دولار) في الحوسبة السحابية والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي على مدى السنوات الثلاث المقبلة. بينما تستعد للعودة بعد سنوات من التدقيق التنظيمي الذي دمر أعمالها على الإنترنت، تسعى “علي بابا” إلى الذكاء الاصطناعي العام الذي يضاهي القدرة المعرفية للإنسان، والذي يُعتبر ذروة السنام لدى كثير من شركات التقنية.

قد يهمك: هل يعيد جاك ما إلى “علي بابا” مجدها الضائع؟

تعمل جميع شركات الإنترنت الكبرى في الصين على تطوير نماذج وخدمات الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، بما في ذلك “هونيوان” (Hunyuan) من “تينسنت” إلى “إرني” (Ernie) من “بايدو”. كما أنهم يستكشفون مجالات أحدث مثل رقائق الذكاء الاصطناعي، إذ تتطلع الصين إلى الحد من اعتمادها على الولايات المتحدة في أشباه الموصلات المتقدمة.

لماذا هذا الاندفاع المفاجئ لجمع الأموال الآن؟

تستغل شركات التقنية العملاقة في الصين تكاليف الاقتراض الرخيصة ورغبة المُستثمرين بحيازة أصول الدخل الثابت مع عائد أعلى نسبياً قبل دورة متوقعة من تخفيضات أسعار الفائدة عالمياً. الثقة في هذه الشركات مرتفعة نسبياً إذ ارتفعت أسهمها في الأشهر الأخيرة.

يتزامن الاندفاع نحو سوق السندات أيضاً مع المنافسة المتزايدة في سوق تطبيقات توصيل الطعام في الصين التي تزيد قيمتها عن 80 مليار دولار. بعدما دخلت شركة “جيه دي” المجال هذا العام متحديةً الاحتكار الثنائي طويل الأمد لشركة “ميتوان” (Meituan) وشركة “إيلي دوت مي” (ele.me) التابعة لشركة “علي بابا”، وتنافست هذه الشركات الثلاث بقوة على المستخدمين وخفضت الأسعار وعززت عروض الذكاء الاصطناعي لديها بحثاً عن النمو في اقتصاد المستهلك الذي يشهد ضعفاً في الصين.

كيف تختار شركات التقنية الصينية العملاقة جمع المال؟ 

الشركات تسعى إلى ذلك عبر إلى أسواق الدين، حيث يُمكنها ذلك من تجنب انخفاض قيمة الأسهم الذي يُصاحب عادةً التمويل عبر إصدار أسهم. كان طلب المستثمرين على إصدارات السندات قوياً لأن هذه الشركات عموماً تحظى بتصنيفات ائتمانية عالية، ما يعني أن هناك خطراً منخفضاً للتخلف عن السداد.

اختارت معظم شركات التقنية الصينية العملاقة إصدار ما يُسمى بسندات “ديم سوم”، وهي سندات مقومة باليوان وتصدر خارج البر الرئيسي للصين وأكثرها في هونغ كونغ. إنها شكل أرخص من التمويل من سوق سندات الدولار بفضل انخفاض أسعار الفائدة الصينية والفارق بين العائد الصيني والأميركي.

سندات الصين تقفز مع تزايد الإقبال على الملاذات الآمنة

تعتبر سندات “ديم سوم” الخارجية جذابة للمستثمرين الصينيين في البر الرئيسي إذ تُجزيهم عائداً أعلى من الأصول المحلية. كما أقبل المستثمرون المؤسسيون الأجانب الذين يسعون إلى التعرض للشركات الرائدة والديون المقومة باليوان على شراء هذه السندات.

جمعت “بايدو” 4.4 مليار يوان من طرح سندات “ديم سوم” في أوائل سبتمبر، بعد إصدار بقيمة 10 مليارات يوان في مارس. في الوقت نفسه، عادت “تينسنت” إلى سوق السندات بعد أربع سنوات بأول إصدار لها على الإطلاق لسندات “ديم سوم”. كما تدرس “ميتوان” إصداراً افتتاحياً لسندات “ديم سوم”.

من ناحية أخرى، اختارت “علي بابا” جمع 3.2 مليار دولار من رأس المال من خلال سندات قابلة للتحويل لتمويل أكبر ميزانية للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي وخدمة سحابية في الصين. والسندات القابلة للتحويل هي أداة مالية هجينة تُوفر للمستثمرين خيار تحويل سنداتهم إلى أسهم في وقت محدد. يوفر هذا النوع من الديون تكلفة تمويل أقل بكثير من الديون التقليدية بسبب ارتفاع الأسهم المحتمل للمستثمرين.

هل تغدق منافساتها الأميركية على الذكاء الاصطناعي؟

رغم أن استثمارات الذكاء الاصطناعي للشركات الصينية ليست صغيرة، إلا أنها أقل بكثير من الالتزامات الرأسمالية للمنافسات الأميركية مثل “ميتا” و”مايكروسوفت” و”أمازون”. يُتوقع أن تنفق أكبر ست شركات، وهي “ميتا” و”مايكروسوفت” و”أمازون” و”ألفابت” و”أوراكل” و”أبل”، أكثر من 390 مليار دولار على التقنية هذا العام، أي أكثر من ضعف إجمالي عام 2023.

مع تركيز الشركات الأميركية على بناء مراكز البيانات والتدريب واسع النطاق للذكاء الاصطناعي، تسعى منافساتها الصينية إلى اتباع أساليب توفير التكاليف التي ابتكرتها “ديب سيك”، وأحجمت حتى الآن عن الإنفاق بغزارة للتنافس على ذوي المواهب في الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضاً: الصين تتهم “إنفيديا” بممارسة الاحتكار وتزيد ضغوط المفاوضات مع أميركا

تدرك هذه الشركات ارتفاع تكاليف تدريب وتشغيل الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك ظلت مُحافظةً إلى حد ما في خطط إنفاق مراكز البيانات لديها، وركزت على أساليب التدريب الفعالة، وتستهدف الآن إلى حد كبير سوقها المحلية.

هل نشهد اندفاعةً لتمويل التقنية في مكان آخر؟

تقود الشركات المُدرَجة في الولايات المتحدة كثيراً من الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي. وحتى مع ثرائها الكبير، فقد غاصت في بعض الأحيان هذا العام أيضاً في أسواق الديون. باعت “ألفابت”، مالكة “جوجل” سندات بقيمة 5 مليارات دولار في أبريل. كما نجحت في جمع 6.75 مليار يورو في اقتراض افتتاحي باليورو جذب طلباً يزيد عن 29 مليار يورو وسمح للشركة بتسعير كل شريحة بنحو 30 نقطة أساس أقل من السعر الأولي المتصور.

اقرأ التفاصيل: سوفت بنك تخطط لصفقة سندات ثانوية بـ100 مليار ين لدعم الذكاء الاصطناعي

في الوقت نفسه، تجمع الشركات الناشئة الأميركية مبالغ كبيرة من مزيج من المستثمرين العالميين والشركات المدرجة في البورصة. أتمّت شركة “أنثروبيك” (Anthropic)، التي أسسها موظفون سابقون في “أوبن إيه آي”، صفقة بقيمة 13 مليار دولار في سبتمبر في جولة تمويل ضاعفت قيمتها ثلاث مرات تقريباً إلى 183 مليار دولار.

وفي أغسطس، نقلت “بلومبرغ” أن “أوبن إيه آي” كانت في محادثات مبكرة حول بيع محتمل للأسهم للموظفين الحاليين والسابقين بتقييم يبلغ حوالي 500 مليار دولار، ما يجعلها الشركة الناشئة الأعلى قيمة عالمياً.

“OpenAI” تسعى للتحول لشركة منفعة عامة.. ماذا يعني ذلك؟

كما تجمع شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في الصين، مثل “مونشوت” (Moonshot) و”ميني ماكس” (MiniMax) و”ستيب فان” (Stepfun)، الأموال، على الرغم من أنها تجتذب مبالغ أكثر تواضعاً ومعظمها من ممولين تابعين للدولة. تمكنت هذه الشركات الناشئة من جمع التمويل الأخير بتقييمات أدنى بكثير من 10 مليارات دولار.

شاركها.