يُعدّ تطريز كسوة الكعبة من أسمى وأدق الفنون الحرفية الإسلامية، حيث يستمر العمل على إعداد الكسوة الجديدة بمصنع الملك عبد العزيز في مكة المكرمة، وذلك استعدادًا لاستقبالها في التاسع من ذي الحجة من كل عام. تتضمن هذه العملية استخدامًا متميزًا للخط العربي، خاصة خط الثلث، لتزيين الكسوة بآيات قرآنية وأسماء الله الحسنى. هذا العمل اليدوي الدقيق يحمل في طياته تاريخًا عريقًا وأهمية روحية عميقة.
تتم عملية تبديل كسوة الكعبة سنويًا، وتحديدًا في السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة، حيث يتم استبدال الكسوة القديمة بأخرى جديدة. وتشرف على هذه العملية الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، بالتعاون مع العديد من الجهات الحكومية وأفضل الحرفيين المتخصصين. يُعتبر هذا التجديد التقليدي جزءًا من العناية المستمرة بالبيت الحرام.
أهمية خط الثلث في تطريز كسوة الكعبة
يتميز خط الثلث باتساع حروفه وجمال انسيابه، مما يجعله الخيار الأمثل لتزيين كسوة الكعبة المشرفة. وفقًا للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، يرجع اختيار هذا الخط إلى قدرته على إبراز عظمة الآيات القرآنية وتسهيل قراءتها وتدبرها. يُستخدم هذا الخط بشكل أساسي في كتابة الشهادة، والآيات من القرآن الكريم، بالإضافة إلى النقوش والزخارف الإسلامية.
المدارس الخطية الأخرى المستخدمة
بالإضافة إلى خط الثلث، تُستخدم أنواع أخرى من الخط العربي في تطريز كسوة الكعبة، ولكن بدرجة أقل. ويشمل ذلك خط النسخ، الذي يتميز بدقته ووضوحه، وخط الرقعة، المعروف ببساطته وسرعة كتابته. ومع ذلك، يظل خط الثلث هو المهيمن والأكثر استخدامًا نظرًا لمكانته الفريدة في الخط العربي.
المواد المستخدمة في التطريز
يتم استخدام أجود أنواع الحرير الطبيعي والخيوط الذهبية والفضية في عملية التطريز. تختار الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي هذه المواد بعناية لضمان متانة الكسوة وحفاظها على جمالها وبريقها لسنوات طويلة. وتعتبر الحرير المطبوع باللون الأسود هو اللون الأساسي للكسوة.
تاريخ تطريز كسوة الكعبة
يعود تاريخ تغطية الكعبة إلى العصور القديمة، لكن تطريزها بالحرير والذهب والفضية بدأ يتطور بشكل ملحوظ في العصر الإسلامي. ففي بداية الإسلام، كانت الكعبة تغطى بالبذ والبسط، ثم تطورت لتغطى بالحرير الملون والمزخرف. خلال العصر العثماني، أصبحت صناعة الكسوة تقليدًا سنويًا، حيث كانت تُصنع في مصر ثم تُرسل إلى مكة المكرمة.
في عام 1346هـ، أمر الملك عبد العزيز آل سعود بإنشاء مصنع خاص في مكة المكرمة لتصنيع كسوة الكعبة. بهذا القرار، انتقلت صناعة الكسوة إلى المملكة العربية السعودية، وأصبحت جزءًا من إرثها الثقافي والديني. وقد شهد المصنع تطورات كبيرة على مر السنين، وأصبح مزودًا بأحدث التقنيات والمعدات.
وتشمل عملية إعداد الكسوة عدة مراحل، بدءًا من تصميم الخط والكتابة اليدوية، مرورًا بصباغة الحرير وتطريزه، وصولًا إلى تركيب الكسوة وتثبيتها على الكعبة المشرفة. تستغرق هذه العملية حوالي ثمانية أشهر، ويتشارك فيها مئات الحرفيين المتخصصين.
تنطوي عملية تطريز كسوة الكعبة على استخدام تقنيات حرفية تقليدية تتطلب مهارة عالية ودقة متناهية. يتدرب الحرفيون لسنوات لإتقان هذه التقنيات، وتعلم فنون التشكيل والزخرفة بالحرير والذهب والفضية. وتعتبر هذه المهارات من الموروث الثقافي الذي يتم نقله من جيل إلى جيل.
يُعدّ الحفاظ على هذا الإرث الثقافي من الأهداف الرئيسية للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي. لذلك، تُولي الرئاسة اهتمامًا خاصًا بتأهيل وتدريب الحرفيين، وتوفير جميع الإمكانيات اللازمة لضمان استمرار هذا الفن العريق. كما تعمل الرئاسة على توثيق مراحل صناعة الكسوة بالصور والفيديو، ليكون هذا التوثيق مرجعًا للأجيال القادمة.
ويسلط هذا الاهتمام المتزايد بـتطريز كسوة الكعبة الضوء على أهمية الحفاظ على الفنون والحرف اليدوية التقليدية، وتعزيز الهوية الثقافية الإسلامية. وتساهم هذه الجهود في تعزيز مكانة المملكة العربية السعودية كمركز للعناية بالبيت الحرام وخدمة الحجاج والمعتمرين. فضلاً عن ذلك، يمثل هذا العمل الفني تعبيراً عن التزام المملكة بحماية التراث الثقافي الإسلامي وتعزيزه.
من المتوقع أن يتم الانتهاء من الكسوة الجديدة في الأيام القليلة القادمة، وأن يتم رفعها على الكعبة المشرفة في موعدها المحدد في التاسع من ذي الحجة. ومع ذلك، قد تتأثر هذه العملية بظروف الطقس أو بأي تطورات أخرى. وستواصل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي متابعة عملية إعداد الكسوة، والإعلان عن أي مستجدات.






