أظهرت دراسة علمية حديثة أن مرضى السكري من النوع الثاني يمكنهم تحسين تنظيم مستويات السكر في الدم من خلال زيادة التعرض لضوء النهار الطبيعي. توصلت الأبحاث، التي أجريت في هولندا ونشرت في دورية “سل ميتابوليزم”، إلى أن التعرض للإضاءة الطبيعية يؤثر إيجاباً على عملية التمثيل الغذائي لدى المرضى، مما قد يفتح آفاقاً جديدة في إدارة هذا المرض المزمن.

تأثير ضوء النهار الطبيعي على مرض السكري

أجريت الدراسة في معهد “نيوتريم” للتغذية والبحوث الانتقالية في مجال الأيض بجامعة ماستريخت بهولندا، وشملت 13 مريضًا مصابًا بالسكري من النوع الثاني. قام الباحثون بمراقبة مستويات الغلوكوز في الدم لدى المشاركين على مدار أربعة أيام، مع تعريضهم إما لضوء النهار الطبيعي أو للإضاءة الصناعية، مع الحفاظ على نظام غذائي وتمارين رياضية وأدوية ثابت.

نتائج الدراسة الرئيسية

أظهرت النتائج أن مستويات السكر في الدم ظلت أكثر استقرارًا في المجموعة التي تعرضت لضوء النهار الطبيعي مقارنة بالمجموعة التي تعرضت للإضاءة الصناعية. بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون أن أجسام المشاركين في المجموعة التي تعرضت لضوء النهار الطبيعي قامت بحرق المزيد من الدهون كمصدر للطاقة، وتقليل الاعتماد على الكربوهيدرات.

وعند تحليل عينات من عضلات المشاركين، تبين أن الجينات المسؤولة عن الساعة البيولوجية للجسم كانت تعمل بشكل أكثر انتظامًا في ظل التعرض لضوء النهار الطبيعي. وهذا يشير إلى أن الإضاءة الطبيعية قد تساعد في تحسين معالجة المغذيات داخل العضلات، وبالتالي تنظيم مستويات السكر في الدم بشكل أفضل.

وفقًا للموقع الإلكتروني “ميديكال إكسبريس” المتخصص في الأبحاث الطبية، أكد الباحثون أن هذه النتائج تشير إلى أن التعرض للإضاءة الطبيعية له تأثير إيجابي على عملية الأيض لدى مرضى السكري من النوع الثاني. قد يكون لهذه النتائج آثار مهمة على تطوير استراتيجيات علاجية جديدة لأمراض التمثيل الغذائي الأخرى.

الساعة البيولوجية والتمثيل الغذائي

تعتبر الساعة البيولوجية نظامًا داخليًا ينظم العديد من الوظائف الحيوية في الجسم، بما في ذلك النوم واليقظة وإفراز الهرمونات والتمثيل الغذائي. يمكن أن يؤدي التعرض للإضاءة الصناعية لفترات طويلة إلى تعطيل الساعة البيولوجية، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية مختلفة، بما في ذلك مقاومة الأنسولين وزيادة خطر الإصابة بالسكري.

ومع ذلك، فإن التعرض لضوء النهار الطبيعي يساعد في إعادة ضبط الساعة البيولوجية، مما يحسن تنظيم مستويات السكر في الدم ووظائف التمثيل الغذائي الأخرى. يُعتقد أن هذا التأثير يرجع إلى أن ضوء النهار الطبيعي يحتوي على مجموعة واسعة من الأطوال الموجية التي تحفز إنتاج هرمون السيروتونين، الذي يلعب دورًا مهمًا في تنظيم المزاج والشهية والتمثيل الغذائي.

تُظهر هذه الدراسة أهمية نمط الحياة الصحي، بما في ذلك قضاء وقت كافٍ في الهواء الطلق والتعرض لضوء النهار الطبيعي، خاصة بالنسبة للأشخاص المصابين بالسكري أو المعرضين لخطر الإصابة به. كما تسلط الضوء على الحاجة إلى مزيد من البحث لفهم الآليات الدقيقة التي تربط بين التعرض للإضاءة الطبيعية وصحة التمثيل الغذائي.

الآثار المترتبة على الصحة العامة

تشير هذه النتائج إلى أن دمج المزيد من ضوء النهار الطبيعي في البيئات الداخلية، مثل المكاتب والمدارس والمنازل، قد يكون له فوائد صحية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون تشجيع الأشخاص على قضاء المزيد من الوقت في الهواء الطلق جزءًا مهمًا من استراتيجيات الوقاية من السكري من النوع الثاني وإدارته.

تُعد مشكلة قلة التعرض لضوء النهار الطبيعي متزايدة في المجتمعات الحديثة، حيث يقضي معظم الناس معظم وقتهم في الداخل. وفقًا لبعض الدراسات، يقضي ما بين 80% و90% من سكان المجتمعات الغربية معظم أوقاتهم في أماكن مغلقة، مما قد يؤثر سلبًا على صحتهم العامة وساعتهم البيولوجية.

من المتوقع أن يقوم الباحثون بمتابعة هذه الدراسة بإجراء تجارب أكبر وأكثر شمولاً لتأكيد هذه النتائج وتحديد الجرعة المثلى من ضوء النهار الطبيعي لتحسين صحة التمثيل الغذائي. كما يخططون لاستكشاف تأثير التعرض للإضاءة الطبيعية على أنواع أخرى من الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والاكتئاب. ستكون النتائج المستقبلية حاسمة في تحديد ما إذا كان يمكن استخدام التعرض للإضاءة الطبيعية كعلاج تكميلي فعال لمرض السكري وأمراض أخرى.

شاركها.