الدوحة – انطلق في العاصمة القطرية اليوم السبت مؤتمر “أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة”، الذي ينظمه مركز الجزيرة للدراسات. يهدف المؤتمر الذي يستمر يومين إلى تعزيز الفهم العميق للقضايا الأفريقية المعقدة، ووضع القارة في صميم التحليلات الاستراتيجية العالمية، بدلًا من اعتبارها هامشية. ويُركز المؤتمر بشكل خاص على قضايا الأمن والسيادة في أفريقيا.
أكد مدير مركز الجزيرة للدراسات، محمد المختار الخليل، في كلمته الافتتاحية أن المؤتمر يسعى إلى تغيير النظرة السائدة لأفريقيا، مؤكدًا أنها ليست مجرد قارة تعاني من الصراعات والمجاعات، بل هي “مستقبل العالم”. ويشارك في المؤتمر حوالي 30 باحثًا متخصصًا في الشؤون الأفريقية، من مختلف الخلفيات والمؤسسات البحثية.
أهمية المؤتمر: رؤية أفريقية لقضايا القارة
يكتسب المؤتمر أهمية خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها أفريقيا والعالم. ويرى خبراء أن هذا المؤتمر يمثل فرصة لتسليط الضوء على التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه القارة، وتقديم رؤى جديدة ومبتكرة للتعامل معها. كما يهدف إلى تفكيك الصور النمطية السلبية عن أفريقيا، وتقديم صورة أكثر واقعية وتعقيدًا للقارة.
القضايا المحورية التي يناقشها المؤتمر
تتضمن جلسات المؤتمر مناقشات حول النزاعات المسلحة في مناطق رئيسية مثل الساحل وشرق الكونغو والسودان. كما يتناول التدخلات العسكرية الأجنبية وتأثيرها على السيادة الوطنية للدول الأفريقية، وعودة الانقلابات العسكرية وتداعياتها على الديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، يستكشف المؤتمر دور الوساطات الإقليمية والدولية في حل النزاعات، وأهمية السيادة الرقمية والأمن السيبراني في حماية المصالح الأفريقية.
ويركز المؤتمر أيضًا على ضرورة بناء سياسات أفريقية مستقلة ومستدامة، قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. ويشدد المشاركون على أهمية إعطاء صوت للأفارقة أنفسهم في تحديد مستقبل قارتهم، بدلًا من الاعتماد على الحلول التي تفرضها القوى الخارجية.
تفكيك المفاهيم المغلوطة حول أفريقيا
يشير المشاركون في المؤتمر إلى أن أفريقيا غالبًا ما تُصوَّر في وسائل الإعلام والتحليلات الغربية بصورتين متناقضتين: إما كقارة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية، وإما كبؤرة للفوضى والإرهاب. ويرى الخبراء أن هذه الصور النمطية تعكس خطابًا استعماريًا قديمًا، ولا تعكس الواقع المعقد والمتنوع للقارة. ويؤكدون على ضرورة تبني رؤية أكثر شمولية وتوازنًا لأفريقيا، تأخذ في الاعتبار تاريخها وثقافتها وتطلعاتها.
أوضح أستاذ العلوم السياسية إسماعيل الحمودي أن المؤتمر يسعى إلى “مواكبة النقاش العالمي والإقليمي حول القارة الأفريقية”، و”تسليط الضوء وتعرية الخطابين المتناقضين” اللذين يقدمان أفريقيا بصورتين متناقضتين. وأضاف أن المؤتمر يهدف إلى إبراز أهمية “الإنصات أكثر للأفارقة وللحلول النابعة من مجتمعات القارة الأفريقية”.
الأزمات الأفريقية والحلول المقترحة
يركز المؤتمر بشكل خاص على الأزمات الحادة التي تشهدها بعض الدول الأفريقية، مثل الصراع في السودان والأوضاع الأمنية المتدهورة في الساحل. ويناقش المؤتمر الحلول الممكنة لهذه الأزمات، مع التركيز على أهمية إشراك الفاعلين المحليين والإقليميين في عملية السلام. كما يستكشف المؤتمر دور التكنولوجيا في إدارة الأزمات الإنسانية والنزاعات المسلحة، وأهمية تعزيز الأمن السيبراني لحماية المصالح الأفريقية.
أكد الباحث في الشؤون الأفريقية شمسان التميمي أن المؤتمر يسلط الضوء على “المشاكل والأزمات الأفريقية، وبالتالي إيجاد حلول لهذه الأزمات عبر إشراك باحثين وزملاء إعلاميين أفارقة وليس من دول أجنبية”. وأضاف أن المؤتمر يكتسب أهمية خاصة في ظل الأزمات التي تعصف بالقارة، مثل أزمتي الكونغو الشرقية والسودان.
مخرجات المؤتمر والخطوات التالية
من المتوقع أن ينتج عن المؤتمر مجموعة من التوصيات والمقترحات التي تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في أفريقيا. سيتم نشر أوراق العمل والمناقشات التي جرت خلال المؤتمر في منشورات مركز الجزيرة للدراسات، بما في ذلك مجلة لباب. كما سيتم توفير تسجيلات لجلسات المؤتمر على منصات التواصل الاجتماعي، لتمكين أكبر عدد ممكن من المهتمين من الاستفادة من مخرجاته.
يُعد هذا المؤتمر خطوة مهمة نحو تعزيز الفهم العميق للقضايا الأفريقية، ووضع القارة في صميم التحليلات الاستراتيجية العالمية. ومن المتوقع أن يساهم المؤتمر في إطلاق حوار بناء بين الباحثين وصناع القرار والفاعلين المحليين، بهدف إيجاد حلول مستدامة للتحديات التي تواجه أفريقيا. وستراقب الأوساط الأكاديمية والإعلامية عن كثب نتائج المؤتمر وتأثيرها على السياسات الأفريقية المستقبلية.






