تستثمر الجزائر، الدولة العربية الوحيدة التي فازت بجائزة أوسكار، بشكل كبير في صناعة السينما الجزائرية، من خلال فيلم ملحمي جديد عن الأمير عبد القادر، وافتتاح استوديوهات إنتاج حديثة، في محاولة لاستعادة مكانتها على الخريطة العالمية للإنتاج السينمائي. وتسعى الحكومة إلى تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط، وتعزيز مكانة الجزائر الثقافية والدولية.

تهدف هذه الخطوة، التي أعلن عنها مستشار الرئيس للشؤون الثقافية، فيصل متاوي، إلى إعادة تنظيم شاملة لصناعة الأفلام المحلية، وتشجيع الإنتاج الأجنبي على التصوير في الجزائر. يأتي هذا في وقت تشهد فيه البلاد صراعات دبلوماسية مع دول الجوار، وعلى رأسها المغرب وفرنسا.

إعادة إحياء السينما الجزائرية: استوديوهات جديدة وإنتاج وطني

تعتزم الجزائر إطلاق مدينة سينمائية متكاملة في العاصمة، تتضمن استوديوهات تصوير ومرافق خدماتية متطورة. بالإضافة إلى ذلك، يجري التخطيط لإنشاء مراكز متخصصة في المونتاج والمؤثرات الخاصة في منطقة تينركوك الصحراوية. ويهدف هذا الاستثمار إلى زيادة الإنتاج السنوي للأفلام الجزائرية إلى 30 فيلمًا، وهو ما يعتبر هدفًا طموحًا ولكنه ممكن في ظل وجود 170 مشروعًا ينتظر حاليًا الموافقة على تمويله من وزارة الثقافة.

فيلم الأمير عبد القادر: رمز للمقاومة

يُعد الفيلم الروائي الطويل عن حياة الأمير عبد القادر، قائد المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر، حجر الزاوية في هذه الخطة الطموحة. وتصفه الحكومة بأنه “رمز ضخم” و”مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة”. وأكد متاوي أن الحكومة مستعدة لتوفير جميع الموارد اللازمة لإنتاج هذا الفيلم التاريخي، بغض النظر عن التكلفة، إيمانًا منها بأهمية سرد قصص الأبطال الوطنيين.

وتأتي هذه المبادرة في سياق سعي الجزائر لتعزيز صورتها الدولية، بالتزامن مع جهودها لتأمين صفقات جديدة للغاز الطبيعي مع شركات الطاقة الأمريكية. كما تستعد البلاد لمناقشة مشروع قانون في البرلمان يطالب فرنسا بالاعتذار عن الحقبة الاستعمارية وتقديم تعويضات.

الجزائر تسعى لجذب الإنتاج الدولي

تسعى الجزائر بنشاط إلى جذب الإنتاجات السينمائية الأجنبية، من خلال إبرام اتفاقيات إنتاج مشترك مع دول مثل جنوب أفريقيا وكندا وإيطاليا وتركيا. ويهدف المركز الوطني للسينما، الذي تم تأسيسه مؤخرًا، إلى تبسيط إجراءات الحصول على التصاريح والتراخيص والتأشيرات، مما يزيل العقبات البيروقراطية التي كانت تعيق الإنتاج في السابق.

تتمتع الجزائر بإمكانات كبيرة لتصبح وجهة مفضلة للإنتاج السينمائي الدولي، نظرًا لتنوع المناظر الطبيعية فيها، بدءًا من الصحراء الشاسعة وصولًا إلى السواحل الخلابة. وقد شهدت المغرب، الدولة المجاورة، نجاحًا كبيرًا في هذا المجال، حيث تم استخدامها لتصوير العديد من الأفلام الهوليوودية التي تجسد دولًا عربية أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يقدم المخرج الفرنسي الجزائري رشيد بوشارب فيلمًا جديدًا بعنوان “رقان” يتناول موضوعًا حساسًا يتعلق بالتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية خلال الستينيات. ومن المقرر أن يبدأ تصوير الفيلم في سبتمبر 2026، ويحظى بدعم كامل من السلطات الجزائرية.

في المقابل، لطالما كانت مصر مركزًا رئيسيًا لصناعة السينما في العالم العربي، ولا تزال تنتج عددًا كبيرًا من الأفلام والمسلسلات سنويًا. كما أن تونس، على الرغم من صغر حجمها، قد حصلت على ترشيحات للأوسكار في السنوات الأخيرة، وتنافس حاليًا بفيلم “صوت هند رجب” الذي يتناول أحداث غزة.

تعتبر هذه المبادرات بمثابة “إعادة تنظيم تاريخية” لصناعة السينما الجزائرية، وفقًا لمستشار الرئيس. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه هذه الخطة، بما في ذلك توفير التمويل اللازم، وتطوير البنية التحتية، وجذب الكفاءات الماهرة. النجاح في تحقيق هذه الأهداف سيعتمد على قدرة الجزائر على التغلب على هذه العقبات، والاستفادة من إمكاناتها الكبيرة في مجال الإنتاج السينمائي.

من المتوقع أن يناقش البرلمان الجزائري مشروع قانون الاعتذار الفرنسي في الأشهر القادمة، وهو ما قد يؤثر على العلاقات الثنائية وعلى فرص التعاون في مجال السين

شاركها.