في السنوات الأخيرة، لم يعد تطبيق “تيك توك” مجرد مساحة للترفيه أو قضاء الوقت، بل تحول إلى جزء لا يتجزأ من يوميات المراهقين والشباب، ونافذة يطلون منها على عالم سريع الإيقاع لا يعترف بالتوقف.

 لكن خلف المقاطع الراقصة والتحديات الطريفة، تظهر تأثيرات نفسية عميقة لا يراها الجميع.

فبين سعي لجذب الانتباه، وتكرار لا ينتهي للمحتوى، يجد المستخدم نفسه في دوامة من التوتر والقلق النفسي.

الأخطر، أن التطبيق بات يشكل ملاذًا نفسيًا لكثير من المراهقين الهاربين من واقع أسري مضطرب، يفتقر فيه كثيرون إلى أبسط أشكال الاحتواء والدعم العاطفي.

ففي ظل الإهمال أو العنف أو التدليل المفرط، يتوه المراهق بين تطلعات مرفوضة وأحكام قاسية، ليبحث عن ذاته في فضاء افتراضي يمنحه شعورًا مؤقتًا بالقبول، لكنه في الوقت نفسه، يسحبه تدريجيًا إلى عزلة صامتة لا يشعر بها إلا بعد فوات الأوان.

رضوى عبد العظيم استشارية صحة نفسية: تيك توك يعيد برمجة عقول الشباب على التوتر الفوري والاستهلاك اللحظي
 

قالت الدكتورة رضوى عبد العظيم، استشارية الصحة النفسية، في تصريحات صحفية خاصة لموقع صدى البلد إن المحتوى المنتشر عبر تطبيق “تيك توك” بات يشكل ضغطًا عصبيًا ونفسيًا هائلًا على المراهقين والشباب، بسبب سرعة الإيقاع، وتكرار القصص، وتضخيم الأحداث، وسعي البلوجرز إلى جذب الانتباه بأي وسيلة.

وأكدت أن تكرار الخبر الواحد في أكثر من قصة ومقطع، مع استخدام موسيقى سريعة ومثيرة طوال مدة الفيديو، يؤدي إلى تحميل الجهاز العصبي أكثر من طاقته الطبيعية، مشيرة إلى أن هذا الأسلوب في ضخ المحتوى يشبه إطلاق شحنات كهربائية مستمرة داخل المخ، تستهلك موارده التي يحتاجها الإنسان للتفكير والراحة والنوم والتوازن النفسي.

وأضافت:“ما يحدث هو استنزاف عصبي كامل.. يدخل المستخدم في حالة من التوتر المستمر، وقد يطلق نوبات هلع لدى من لديهم استعداد وراثي أو نفسي لذلك”.

وشددت عبد العظيم على أن الأمر لا يتوقف عند التوتر فقط، بل قد يمتد ليخلق حالة مزاجية معتلة مستمرة، كأن الشخص يعاني من قلق دائم، أو اكتئاب غير مبرر، أو عصبية متكررة، وكل ذلك نتيجة تعرضه المستمر لهذا النوع من المحتوى.

وأوضحت أن تيك توك لا يقدم فقط محتوى فارغًا، بل يعتمد على إيقاع يبرمج الدماغ على الانتقال السريع، والبحث المستمر عن الإثارة، مما يفقد الشخص القدرة على الصبر أو التركيز، حتى في حياته اليومية.

وتابعت: “المستخدمون خاصة من الشباب  أصبحوا غير قادرين على مشاهدة أي شيء للنهاية، لأن التطبيق درب عقولهم على الإشباع السريع والاستهلاك اللحظي للمحتوى”.

وأشارت إلى أن المحتوى الذي يحقق أكبر نسب مشاهدات على تيك توك غالبًا ما يكون خاليًا من القيمة الفكرية أو التربوية، بل يعتمد على مشاهد تمثيلية، أو حركات راقصة، ويؤسف أن بعض المشاهير أيضًا انخرطوا في هذا النمط، مما زاد من انتشاره وخطورته.

وأضافت:“حتى الشخصيات العامة أصبحت تشارك في محتوى لا يحمل أي مضمون حقيقي، في مقابل الحفاظ على التفاعل والوجود داخل دائرة الضوء”.

وحذرت عبد العظيم من أن التيك توك خلق مناخًا شبيهًا بـ”المراهنات الرقمية”، إذ أصبح بعض صناع المحتوى يخوضون سباقًا غير أخلاقي على المشاهدات، حتى لو اضطروا لتقديم محتوى صادم أو مثير للجدل فقط لجذب الجمهور.

وأوضحت:“المسألة لم تعد تتعلق بالإبداع أو الفائدة، بل بمن يحقق التريند.. حتى لو كان الثمن هو تقديم مقاطع ضارة نفسيًا أو تربويًا أو مجتمعيًا”.

واختتمت تصريحها بالتأكيد على أن التيك توك قد يمثل خطرًا حقيقيًا على الصحة النفسية والقيم المجتمعية إذا ترك دون رقابة أو وعي جماعي، مضيفة:“المعادلة الآن صارت واضحة: محتوى بلا معنى = مشاهدات ضخمة = أرباح.. لكن المقابل هو شباب مرهق، فاقد للتوازن، ومشوش في نظرته للحياة والمستقبل”

استشاري نفسي الأطفال: غياب الحوار والقدوة داخل الأسرة يدفع الأبناء لأحضان تيك توك

قالت الدكتورة إيمان النبوي، استشاري نفسي الأطفال، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد إن هناك أسبابًا كثيرة تقف وراء تدني مستويات الصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين، مؤكدة أن الوالدين في مقدمة هذه الأسباب، بما يفعلونه من إهمال للاحتياجات النفسية لأبنائهم، والاكتفاء بتلبية الاحتياجات المادية فقط، مثل شراء هاتف آيفون أو سيارة حديثة.

وأكدت النبوي أن بعض الآباء يمارسون العنف والعدوان في التعامل مع أبنائهم، ولا يُظهرون حبهم لهم، كما لا يحرصون على الحوار معهم بشأن ما يمرون به من مشاعر سلبية أثناء تواصلهم اليومي مع الآخرين، سواء في المدرسة أو النادي أو غيرها من المواقف الحياتية.

إيمان النبوي: بعض المراهقين يسعون للتريند بأي وسيلة فقط للرد على نظرة أهلهم السلبية

وأضافت أن كثيرًا من الآباء لا يوفرون وقتًا لأبنائهم، ولا يشاركونهم تفاصيل حياتهم اليومية، بل يتجاهلونهم أحيانًا أو يقللون من قدراتهم، مما يدفع هؤلاء الأبناء إلى البحث خارج الأسرة عن الاحتواء المفقود، فلا يجدون سوى منصات مثل تيك توك أو اليوتيوب، حيث يحاولون إثبات ذاتهم، أو الظهور مع أصدقاء فقط من أجل الشعور بالقيادة أو الفوز، ظنًا منهم أنهم قادرون على الانتصار على نظرة أهلهم السلبية لهم.

وتابعت: “للأسف، يرتفع سقف توقعات المراهق من نفسه، فيسعى لأن يصبح ترند بأي طريقة، حتى ولو من خلال محتوى لا أخلاقي، فقط لجذب انتباه الأهل أو إثبات أنه ليس كما يصفونه”.

وشددت النبوي على أن “السوشيال ميديا” أصبحت الملاذ الآمن للمراهق، نتيجة فقدانه الثقة في والديه، بسبب المعاملة السلبية أو المؤذية لطموحه.

وأوضحت أن النتيجة الكارثية لما بين التدليل الزائد والحماية الزائدة أو العنف والإهمال، هو ما نراه حاليًا على منصات التواصل، من شباب صغار يفتقدون للقدوة داخل الأسرة، فتنتهي العملية التربوية بلا نتائج.

واختتمت الدكتورة إيمان النبوي تصريحاتها قائلة: “لا تسألوا المراهق لماذا فعل فعلاً لا أخلاقيًا، بل اسألوا أنفسكم أولًا”

شاركها.