تشهد بورصة السعودية تقلبات وهدوءًا نسبيًا في التداولات، حيث تترقب الأسواق محفزات جديدة لكسر حالة التذبذب السائدة. ويراقب المستثمرون عن كثب تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، وأسعار النفط المتغيرة، والتوقعات المتعلقة بنتائج الشركات المالية للربع الرابع من العام الحالي. هذا الترقب يؤثر على حجم السيولة المتداولة ويحد من قدرة السوق على تحقيق مكاسب كبيرة في الوقت الحالي.

افتتح المؤشر العام “تاسي” تعاملاته اليوم بارتفاع طفيف، لكنه سرعان ما تراجع إلى المنطقة الحمراء، مسجلاً انخفاضًا بنسبة 0.3%، ليظل بذلك دون حاجز الـ 10500 نقطة. ويعزى هذا الانخفاض بشكل رئيسي إلى الضغوط على أسهم الشركات القيادية مثل أرامكو، وسابك، وأكوا باور، والراجحي.

بورصة السعودية تنتظر عودة السيولة لتحفيز الأسهم

يرى خبراء اقتصاديون أن السوق السعودية لا تزال تتحرك في اتجاه هابط، مع توقعات بأن يختبر المؤشر مستوى 10 آلاف نقطة كمنطقة دعم رئيسية. ومع ذلك، يستبعدون حدوث انهيار كبير في الأسعار، مشيرين إلى أن العامل الأهم لتحقيق تحول إيجابي في السوق هو زيادة حجم السيولة المتداولة.

ويعتقد غسان الذكير، الرئيس التنفيذي لشركة “معيار المالية”، أن تعزيز السيولة قد يتحقق من خلال فتح السوق بشكل كامل أمام المستثمرين الأجانب، وزيادة وزن السوق السعودية في مؤشر “إم إس سي آي”. هذه الخطوات من شأنها جذب رؤوس الأموال الأجنبية وزيادة الطلب على الأسهم.

وأضاف الذكير أن خفض أسعار الفائدة لم يكن له تأثير كبير على السوق حتى الآن، بسبب ضعف السيولة في البنوك. فقد فضل المستثمرون الاحتفاظ بأموالهم في الودائع المصرفية ذات العوائد المرتفعة، بدلاً من الاستثمار في الأسهم التي تنطوي على مخاطر أعلى.

وعلى الرغم من ذلك، يتوقع الذكير تحسنًا في نتائج الشركات للربع الرابع، مدفوعًا بتحسن هوامش الربحية وتراجع تكاليف الاقتراض. لكنه يؤكد مجددًا أن نمو السيولة سيظل العامل الأبرز في تحديد اتجاه السوق خلال الفترة المقبلة.

تأثير الاكتتابات الأولية وأسعار النفط

يشير الذكير إلى أن الاكتتابات الأولية التي جرت في الفترة الماضية قد استقطبت جزءًا كبيرًا من السيولة من السوق، بالإضافة إلى تأثير ارتباط السوق بأسعار النفط. هذه العوامل ساهمت في الضغوط الأخيرة على المؤشر العام.

ويتوقع أن يتحرك المؤشر في نطاق محدود خلال الفترة القادمة، مع ترجيح عدم تجاوز مستوى 10800 نقطة. هذا يعني أن المستثمرين قد يشهدون استمرارًا في التقلبات الجانبية، ما لم تحدث تغييرات جوهرية في العوامل المؤثرة على السوق.

أسعار الفائدة المرتفعة تضغط على أداء البورصة السعودية

من جانبه، يرى إكرامي عبد الله، كبير المحللين الماليين في صحيفة “الاقتصادية”، أن أسعار الفائدة تلعب دورًا حاسمًا في حركة السوق. فقد أدى ارتفاع مؤشر “سايبور” (معدل الفائدة بين البنوك السعودية) إلى زيادة تكاليف الاقتراض على الشركات، مما أثر سلبًا على أرباحها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة يعزز جاذبية الأصول الاستثمارية خارج السوق، مثل الودائع المصرفية والسندات الحكومية. وهذا يدفع المستثمرين إلى سحب أموالهم من الأسهم والتحول إلى هذه الأصول الأكثر أمانًا.

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط، إلا أنها لا تزال قريبة من مستوى 60 دولارًا للبرميل، وهو ما يعتبر غير كافٍ لعكس مسار السوق. ويلاحظ عبد الله وجود تردد بين المستثمرين في الدخول إلى السوق في الوقت الحالي.

القطاعات الواعدة وفرص الاستثمار

يشير عبد الله إلى أن القطاعات المرتبطة بالاقتصاد المحلي، مثل قطاعات الاتصالات، وتقنية المعلومات، والرعاية الصحية، والبنوك، تتمتع بوجود فرص استثمارية كامنة. ويتوقع أن يقوم المستثمرون بتحركات انتقائية في السوق، مع التركيز على هذه القطاعات الواعدة.

مشاركة المؤسسات المحدودة تحد من قوة الارتداد

أظهر أداء اليوم استمرار ضعف السيولة في السوق، على الرغم من الارتفاع الذي شهده أمس. فقد بلغت أحجام التداول حوالي 2.6 مليار ريال، وهو مستوى أقل من المطلوب لدعم اتجاه صاعد مستدام، وفقًا لماري سالم، المحللة المالية في “الشرق”.

وأوضحت سالم أن النشاط في السوق يعتمد بشكل أكبر على المستثمرين الأفراد، بينما لا تزال مشاركة المؤسسات والصناديق محدودة. هذا النمط من التداول يحد من قدرة السوق على تحقيق مكاسب كبيرة ويجعله عرضة للتقلبات.

وتحذر سالم من أن استمرار نمط جني الأرباح قد يؤدي إلى فشل الارتدادات في إحداث تغيير جوهري في أداء المؤشر العام. ومع ذلك، فإنها ترى أن تحسن أسعار النفط يمثل عاملاً إيجابيًا يدعم المعنويات، لكنها تؤكد أن السيولة هي العامل الحاسم الذي يمكن أن يغير اتجاه السوق.

المطاحن العربية تحقق أداءً إيجابيًا

في سياق منفصل، ارتفع سهم “المطاحن العربية” بنسبة 0.3% بعد إعلان الشركة عن توصية بتوزيع أرباح بإجمالي 51.3 مليون ريال عن عام 2025، بالإضافة إلى سداد دفعة طوعية بقيمة 50 مليون ريال من اتفاقية مرابحة مع “البنك السعودي الأول”.

ويعتبر هذا الإعلان نبأً إيجابيًا، حيث رفعت الشركة توزيعاتها النقدية بنسبة 70% مقارنة بعام 2024. كما أن سداد الدفعة الطوعية من اتفاقية التمويل سيساهم في خفض تكاليف التمويل وتحسين الأداء المالي للشركة.

وتشير هذه الخطوات إلى متانة أوضاع الشركة وقدرتها على تحقيق نمو مستدام في المستقبل. فقد قامت الشركة بتوسعات لزيادة طاقتها الإنتاجية في مجالي الدقيق والأعلاف، مما يعزز مكانتها في السوق.

في الختام، من المتوقع أن تستمر بورصة السعودية في التذبذب خلال الفترة القادمة، في ظل استمرار حالة عدم اليقين بشأن أسعار الفائدة والنفط. وينبغي على المستثمرين مراقبة تطورات هذه العوامل عن كثب، واتخاذ قرارات استثمارية حذرة ومدروسة. وستكون البيانات الاقتصادية القادمة، وخاصةً نتائج الشركات المالية للربع الرابع، مؤشرًا هامًا على مستقبل السوق.

شاركها.