أصدر البنك الدولي تقريرًا جديدًا حذر فيه من أن الدول النامية لا تزال تواجه تحديات كبيرة في إدارة الديون، على الرغم من تحسن الظروف المالية العالمية. وأكد كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي، إنديرميت جيل، أن تراكم الديون مستمر بوتيرة مقلقة، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي للعديد من الدول. ويأتي هذا التحذير في وقت تسعى فيه بعض الدول إلى إعادة هيكلة ديونها الخارجية.

التقرير، الذي صدر مؤخرًا، يركز على المخاطر المتزايدة التي تواجه الدول النامية ذات الدخل المتوسط والمنخفض. ويشير إلى أن أسواق السندات قد فتحت أمام هذه الدول بعد فترة من الارتفاع في أسعار الفائدة، لكن ذلك جاء بتكلفة اقتراض أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عام 2020. وتشير البيانات إلى أن هذه الدول قد أعادت هيكلة حوالي 90 مليار دولار من الديون الخارجية في عام 2024 وحده.

تحديات متزايدة في إدارة الديون النامية

على الرغم من أن الظروف المالية العالمية تبدو أكثر استقرارًا، إلا أن البنك الدولي يحذر من أن هذا لا يعني نهاية المخاطر بالنسبة للدول النامية. فقد شهدت هذه الدول نموًا ملحوظًا في الديون المحلية، وهو ما يعكس تطور أسواق الائتمان الداخلية. ومع ذلك، قد يؤدي هذا النمو إلى تقليل قدرة البنوك على تقديم التمويل للقطاع الخاص، وزيادة تكلفة إعادة التمويل.

ارتفاع تكلفة الاقتراض

أظهر التقرير أن تكلفة إصدار السندات للدول النامية قد ارتفعت إلى حوالي 10%، وهو ما يمثل ضعف مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19. هذا الارتفاع يجعل من الصعب على هذه الدول تمويل مشاريع التنمية وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. ويعزى هذا الارتفاع جزئيًا إلى المخاطر المتزايدة التي يراها المستثمرون في هذه الأسواق.

الديون المحلية والدور المتزايد للبنوك

يشير التقرير إلى أن 50 دولة نامية ومتوسطة الدخل شهدت نموًا أسرع في الديون المحلية مقارنة بالديون الخارجية. هذا التحول يعكس زيادة الاعتماد على البنوك المحلية كمصدر للتمويل. لكن هذا قد يخلق ضغوطًا على البنوك، خاصة إذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية وزادت حالات التخلف عن السداد.

بالإضافة إلى ذلك، يوضح التقرير أن أكثر من نصف الدول منخفضة الدخل (54%) تعاني حاليًا من ضائقة ديون أو تواجه مخاطر عالية لذلك. وهذا يعني أن هذه الدول قد تجد صعوبة في سداد ديونها في الوقت المحدد، مما قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية.

ويرى البنك الدولي أن فترة “التنفس المالي” الحالية، التي تتميز بفتح أسواق السندات، يجب أن تستغل من قبل صانعي السياسات في الدول النامية لترتيب أوضاعهم المالية وتقليل اعتمادهم على الديون الخارجية. ويوصي التقرير بتبني سياسات مالية حكيمة وتنويع مصادر التمويل.

ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، والتباطؤ الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى، والتوترات الجيوسياسية، كلها عوامل تساهم في زيادة مخاطر الديون في الدول النامية. كما أن بعض الدول قد تواجه صعوبات إضافية بسبب ضعف إدارة الديون أو الفساد. وتعتبر إدارة الديون السيادية تحديًا كبيرًا للعديد من الحكومات.

في سياق متصل، تزايدت الدعوات من قبل المنظمات الدولية والمجتمع المدني إلى ضرورة تقديم المزيد من الدعم للدول النامية لمساعدتها على إدارة ديونها. وتشمل هذه الدعوات مبادرات لتخفيف عبء الديون، وتقديم قروض ميسرة، وتعزيز الشفافية في إدارة الديون. وتعتبر مسألة الاستدامة المالية حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية.

من الجدير بالذكر أن البنك الدولي ليس الوحيد الذي يعرب عن قلقه بشأن الديون في الدول النامية. فقد حذرت أيضًا صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة من المخاطر المتزايدة التي تواجه هذه الدول. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي الديون الخارجية للدول النامية قد تجاوز 700 مليار دولار.

في الختام، يرى البنك الدولي أن الوضع المالي للدول النامية لا يزال هشًا، على الرغم من بعض التحسينات الأخيرة. ومن المتوقع أن يستمر البنك في مراقبة الوضع عن كثب وتقديم المشورة للدول النامية بشأن إدارة ديونها. وستكون البيانات الاقتصادية المستقبلية، وخاصة المتعلقة بالنمو الاقتصادي العالمي وأسعار الفائدة، حاسمة في تحديد مسار الديون في هذه الدول. ومن الضروري متابعة تطورات التمويل التنموي وتقييم تأثيرها على الدول النامية.

شاركها.