شهد قطاع البناء والتشييد في أوروبا نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مع بروز شركات متخصصة في البناء الأخضر كلاعب رئيسي في هذا التحول. تعتبر شركة “أولا هوم سوليوشن” (Olla Home Solution)، وهي شركة بناء توسكانية، واحدة من أسرع الشركات نموًا في أوروبا لعام 2025، حيث حققت زيادة في حجم مبيعاتها تتجاوز 400٪ بين عامي 2020 و 2023. وتستفيد الشركة من الطلب المتزايد على المباني المستدامة والموفرة للطاقة.
تأسست “أولا هوم سوليوشن” في خضم جائحة كوفيد-19، وتركز على تقديم خدمات شاملة في مجال البناء الأخضر وكفاءة الطاقة. تتميز الشركة بقدرتها على التعامل مع الإجراءات الإدارية المعقدة، وهو ما جذب العملاء الباحثين عن حلول متكاملة. وقد استفادت الشركة بشكل كبير من برنامج “سوبربونوس” (Superbonus) الحكومي الإيطالي.
البناء الأخضر: محرك النمو والتحديات التنظيمية
يعتبر البناء الأخضر اتجاهًا عالميًا يهدف إلى تقليل الأثر البيئي للمباني وتحسين كفاءة استخدام الموارد. يشمل ذلك استخدام مواد بناء طبيعية، وتقليل استهلاك الطاقة، وتعظيم العزل الحراري، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. تزايد الاهتمام بهذا النوع من البناء مدفوع بالوعي المتزايد بأهمية الاستدامة وتغير المناخ.
وفقًا لمؤسس ورئيس شركة “أولا هوم سوليوشن”، صموئيل أولا، فإن الشركة سعت إلى توفير خدمة إضافية لسوق متنامي يعاني من نقص في العروض المتكاملة. وأضاف أن الشركة تقدم خدمات شاملة تغطي جميع جوانب المشروع، بدءًا من التصميم وحتى التنفيذ والإدارة. هذا النهج الشامل ساهم في تميز الشركة وجذب قاعدة عملاء واسعة.
برنامج “سوبربونوس” وتأثيره على القطاع
كان برنامج “سوبربونوس”، وهو حافز ضريبي أطلقته الحكومة الإيطالية بهدف تحفيز الاقتصاد بعد جائحة كوفيد-19، بمثابة محرك قوي لقطاع البناء. سمح البرنامج لأصحاب المنازل والشركات بخصومات ضريبية كبيرة على أعمال تحسين كفاءة الطاقة وإعادة الهيكلة.
ومع ذلك، واجه البرنامج انتقادات بسبب تكلفته العالية وتعقيداته الإدارية. وأشار صموئيل أولا إلى أن السوق شهد حوالي 90 تغييرًا تنظيميًا في غضون ثلاث سنوات فقط، مما أضاف صعوبة إضافية على الشركات العاملة في هذا المجال. الاستدامة في البناء تتطلب تخطيطًا دقيقًا ومواكبة للتغيرات التنظيمية.
المباني ذات الطاقة الصفرية: مستقبل البناء المستدام
تعتبر المباني ذات الطاقة الصفرية (NZEB) معيارًا جديدًا في مجال البناء المستدام، حيث تهدف إلى تقليل استهلاك الطاقة إلى الحد الأدنى، وتلبية احتياجاتها من الطاقة المتبقية من مصادر متجددة. تعتبر هذه المباني جزءًا أساسيًا من الجهود العالمية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ومكافحة تغير المناخ.
اعتبارًا من عام 2030، ستكون جميع المباني الجديدة في أوروبا ملزمة بأن تكون مباني ذات طاقة صفرية تقريبًا. هذا الموعد النهائي يمثل تحديًا كبيرًا لقطاع البناء، ولكنه أيضًا يوفر فرصًا هائلة للشركات التي تستثمر في التقنيات والممارسات المستدامة. كفاءة الطاقة هي جوهر هذا التحول.
إن بناء منزل أخضر لا يقتصر على استخدام مواد طبيعية فحسب، بل يشمل أيضًا استهلاكًا منخفضًا للطاقة، وعزلًا حراريًا عاليًا، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. يتطلب ذلك تصميمًا معماريًا ذكيًا، واستخدام تقنيات متقدمة في البناء، وتكامل أنظمة الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التحول الرقمي في قطاع البناء يلعب دورًا متزايد الأهمية في تحسين كفاءة العمليات وتقليل التكاليف. تتيح تقنيات مثل نمذجة معلومات البناء (BIM) والتصنيع الرقمي بناء مباني أكثر دقة وكفاءة.
في المقابل، يواجه قطاع البناء تحديات تتعلق بتوفر المواد المستدامة وتكلفتها. كما أن هناك حاجة إلى تدريب وتأهيل العمالة لتلبية متطلبات البناء الأخضر.
من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة زيادة في الاستثمار في البحث والتطوير في مجال مواد البناء المستدامة وتقنيات الطاقة المتجددة. كما أن هناك حاجة إلى تطوير سياسات ولوائح بناء تدعم البناء الأخضر وتشجع على تبني الممارسات المستدامة.
في الختام، يمثل البناء الأخضر مستقبل قطاع البناء والتشييد. مع اقتراب الموعد النهائي لعام 2030، من المتوقع أن تشهد أوروبا تسارعًا في وتيرة التحول نحو المباني ذات الطاقة الصفرية. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها لضمان نجاح هذا التحول، بما في ذلك توفر المواد المستدامة وتكلفة التكنولوجيا وتأهيل العمالة. ستكون المراقبة المستمرة للتطورات التنظيمية والتقنية أمرًا بالغ الأهمية في هذا المجال.






