مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، قد يجد البعض أن هناك جانبًا إيجابيًا غير متوقع: زيادة حرق السعرات الحرارية. تشير الأبحاث إلى أن التعرض للبرد يمكن أن ينشط الدهون البنية في الجسم، مما يؤدي إلى زيادة التمثيل الغذائي وحرق السعرات الحرارية. هذا الاكتشاف يفتح آفاقًا جديدة لفهم كيفية تأثير الطقس على وزن الجسم وصحته.

كيف يحرق البرد السعرات الحرارية؟

تتكون أجسامنا من نوعين رئيسيين من الدهون: الدهون البيضاء والدهون البنية. تعتبر الدهون البيضاء بمثابة مخزن للطاقة، بينما الدهون البنية مسؤولة عن توليد الحرارة وتنظيم عملية التمثيل الغذائي. وفقًا للدراسات، يميل الأشخاص النحيفون إلى امتلاك كميات أكبر من الدهون البنية مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن.

عندما تنخفض درجة الحرارة، يبدأ الجسم في عملية تسمى التحرّك الحراري (thermogenesis) لإنتاج الحرارة والحفاظ على درجة حرارة الجسم الداخلية. هذه العملية تتطلب حرق السعرات الحرارية. الرعشة، وهي استجابة طبيعية للبرد، تلعب دورًا هامًا في تنشيط الدهون البنية وزيادة حرق السعرات الحرارية.

دور الرعشة وهرمون الإيريسين

أظهرت دراسة أجريت عام 2014 في مجلة Cell Metabolism أن الرعشة تحفز إفراز هرمون الإيريسين، وهو هرمون يعزز حرق الدهون. تشير الأبحاث إلى أن 15 دقيقة من الرعشة في بيئة باردة يمكن أن تكون بمثابة ساعة واحدة من التمارين الرياضية المعتدلة من الناحية الفسيولوجية.

بالإضافة إلى الرعشة، يمكن تحفيز الدهون البنية من خلال التعرض المنتظم للبرد. تشير بعض الدراسات إلى أن التعرض للبرد يمكن أن يحسن حساسية الأنسولين ويقلل من مستويات الكوليسترول والدهون في الدم.

العلاج بالبرودة (Cryotherapy) وتطبيقات أخرى

اكتسب العلاج بالبرودة شعبية في السنوات الأخيرة كطريقة لتعزيز حرق السعرات الحرارية وتحسين الصحة العامة. يتضمن العلاج بالبرودة الوقوف في غرفة شديدة البرودة لبضع دقائق لتهدئة الجسم بشكل فائق. تشير التقارير إلى أن العلاج بالبرودة يمكن أن يقلل من مستويات الكوليسترول والجلوكوز في الدم، بالإضافة إلى تقليل قياسات محيط الخصر.

هناك طرق أخرى لتعريض الجسم للبرد، مثل ارتداء سترة مليئة بأكياس الثلج. يُزعم أن هذه الطريقة تساعد على حرق ما يصل إلى 250 سعرة حرارية في الساعة. ومع ذلك، يجب استخدام هذه الطرق بحذر وتحت إشراف طبي.

تأثير البرد على النشاط البدني

أظهرت دراسة أجريت عام 2017 أن الأشخاص الذين يمارسون رياضة المشي لمسافات طويلة في درجات حرارة تتراوح بين 15 و 23 درجة مئوية يحرقون سعرات حرارية أكثر بنسبة 34٪ مقارنة بأولئك الذين يمارسون رياضة المشي لمسافات طويلة في طقس يبلغ 50 درجة مئوية. لكن هذا لا يرجع فقط إلى البرد.

أوضحت الدكتورة كارا أوكوبوك، المؤلفة الرئيسية للدراسة، أن فقدان السعرات الحرارية الإضافي كان مرتبطًا بعوامل خارجية مثل الحركة عبر الثلج. عندما يبدأ الجسم في ممارسة الرياضة، تنتج العضلات حرارة، مما يساعد على تدفئة الجسم في الطقس البارد. وهذا يقلل من استجابة الرعشة.

مستقبل أبحاث الدهون البنية

لا تزال الأبحاث حول الدهون البنية وعلاقتها بالتمثيل الغذائي وحرق السعرات الحرارية في مراحلها الأولى. ومع ذلك، فإن النتائج الأولية واعدة وتشير إلى أن التعرض للبرد يمكن أن يكون أداة فعالة لإدارة الوزن وتحسين الصحة العامة.

يركز العلماء حاليًا على إيجاد طرق لتحفيز تحول الدهون البيضاء إلى دهون بنية، وهي عملية تسمى “التبييض” (browning). قد يؤدي فهم هذه العملية إلى تطوير علاجات جديدة لمكافحة السمنة والسكري من النوع الثاني وأمراض القلب. من المتوقع أن تظهر المزيد من الدراسات في السنوات القادمة لتوضيح هذه الآليات بشكل كامل وتحديد أفضل الطرق للاستفادة من قوة الدهون البنية.

من المهم ملاحظة أن هذه الأبحاث لا تزال قيد التقييم، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيد هذه النتائج وتحديد الآثار طويلة الأجل للتعرض للبرد. يجب على الأفراد الذين يفكرون في استخدام العلاج بالبرودة أو طرق أخرى لتعريض الجسم للبرد استشارة الطبيب أولاً.

بالإضافة إلى فقدان الوزن، قد يكون للتعرض للبرد فوائد صحية أخرى، مثل تحسين المزاج وتقليل الالتهابات. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لاستكشاف هذه الفوائد بشكل كامل.

شاركها.