يخوض البابا ليو الرابع عشر، في أول رحلة خارجية له منذ توليه منصبه، جولة دبلوماسية تحمل دلالات رمزية وعواقب جيوسياسية. بدأ البابا زيارته لتركيا صباح هذا اليوم لإحياء الذكرى الـ 1700 لمجمع نيقية، ثم يتوجه إلى لبنان الذي يواجه أزمة اقتصادية وسياسية مستمرة. اختيار هذه الوجهات يعكس اهتمامًا خاصًا من البابا ليو الرابع عشر بمناطق شهدت ازدهارًا مسيحيًا تاريخيًا.

تهدف هذه الزيارة إلى إرسال رسالتين رئيسيتين: دعم الوحدة بين الطوائف المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية، وتحذير الحكومات الإقليمية من أن الاضطهاد وعدم الاستقرار لن يمر دون ملاحظة. تُعد هذه الرحلة اختبارًا مبكرًا لكيفية استخدامه للقوة الناعمة للفاتيكان.

زيارة البابا ليو الرابع عشر لتركيا ولبنان: رسالة وحدة ودعم

يولي البابا ليو الرابع عشر أهمية قصوى للقضية المسيحية في الشرق الأوسط، وتعد هذه الزيارة تأكيدًا على التزامه المستمر بدعم المجتمعات المسيحية التي تعاني من التحديات المختلفة. وتشمل هذه التحديات التدهور الاقتصادي والاضطهاد والتهجير القسري. هذا الدعم يتجسد في زيارته الميدانية واللقاءات التي سيجريها مع القادة الدينيين والسياسيين والشعوب المتضررة.

مجمع نيقية: جذور الإيمان المسيحي

في تركيا، سيحيي البابا الذكرى الـ 1700 لعقد مجمع نيقية الأول. يعود هذا المجمع إلى عام 325 ميلاديًا، وعُقد في مدينة نيقية القديمة، المعروفة اليوم باسم إزنيق. وقد أسفر المجمع عن صياغة “رسالة الإيمان النيقية”، وهي بيان عقائدي أساسي يشترك فيه المسيحيون الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت.

سيقوم البابا برحلة جوية إلى إزنيق يوم الخميس، حيث سيتلو صلاة عند بقايا الكنيسة التي استضافت المجمع. ويؤكد خبراء الفاتيكان على الأهمية الرمزية لهذا الحدث، مشيرين إلى أن المسيحية تقوم على أساس من العقائد المشتركة التي توفر لها التماسك والوحدة في جميع أنحاء العالم.

لبنان: دعم في خضم الأزمة

سيقضي البابا الجزء الثاني من رحلته في لبنان، وهو البلد الذي استضاف زيارة بابوية قبل أكثر من عقد من الزمان. كان البابا فرنسيس السابق يأمل في زيارة لبنان، لكن حالته الصحية لم تسمح له بذلك. حاليًا، يمثل لبنان موطنًا لأكبر نسبة من المسيحيين في الشرق الأوسط، لكن عدد السكان انخفض بشكل كبير بسبب الانهيار الاقتصادي والهجرة والشلل السياسي. ومن المتوقع أن يلتقي البابا ليو الرابع عشر بقادة سياسيين ورجال دين مسيحيين ومسلمين وعائلات متضررة من الأزمات المتداخلة.

من أبرز محطات الزيارة، تفقد البابا لميناء بيروت في الثاني من ديسمبر، وهو موقع الانفجار المروع الذي وقع عام 2020 وأودى بحياة أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من 6000 آخرين. يأتي هذا التفقد كرسالة تضامن مع الشعب اللبناني المتضرر.

يشير المراقبون إلى أن زيارات البابا لها تأثير عاطفي كبير على المجتمعات المحلية. إن وجود البابا في بلد يعاني من الأزمات يبعث الأمل ويعزز الصمود. بالإضافة إلى ذلك، تحمل الزيارة رسالة قوية للحكومات في المنطقة، مفادها أن العالم يراقب بعين قاسية أي أعمال اضطهاد ضد المسيحيين.

سيلقي البابا ليو الرابع عشر خطاباته في لبنان باللغتين الإنجليزية والفرنسية. وقد نشر الفاتيكان الطقوس الرسمية للقداس الإلهي، وتستعد وسائل الإعلام اللبنانية لاستقبال حشود كبيرة على الرغم من النقص في البنية التحتية. تعد مسألة الحماية الأمنية وتنظيم الزيارة تحديًا كبيرًا في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان.

تتوقع الدوائر الدينية في الفاتيكان التركيز على الوحدة المسيحية والحوار بين الأديان ودعم المجتمعات الهشة. ومن المتوقع أن تحظى كلمات البابا ليو الرابع عشر في تركيا ولبنان بمتابعة دقيقة من الحكومات الإقليمية والمجتمعات الدينية التي تسعى جاهدة للتغلب على الصراعات وعدم الاستقرار والتراجع الديموغرافي. وستكون زيارة البابا ليو الرابع عشر بمثابة اختبار حقيقي لقدرته على التأثير في صانعي القرار وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي.

من المقرر أن يعود البابا إلى الفاتيكان في الخامس من ديسمبر. في الوقت الحالي، لا توجد إعلانات بشأن محطات مستقبلية في خططه للرحلات الخارجية. سيبقى تركيز الفاتيكان على تقييم تأثير هذه الزيارة وتحديد الخطوات التالية لتعزيز الحوار بين الأديان ودعم المسيحيين في الشرق الأوسط. يبقى أن نرى إلى أي مدى ستساهم هذه الزيارة في تحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة.

شاركها.