تستعد المفوضية الأوروبية لتخفيف القواعد المتعلقة بالمساعدات الحكومية وتوفير تمويل من الاتحاد الأوروبي لمساعدة الدول الأعضاء على زيادة المعروض من الإسكان الميسر، وذلك في ظل أزمة متصاعدة تواجهها المدن الأوروبية. جاء هذا الإعلان من قبل دان يورغنسن، المفوض الأوروبي الأول لشؤون الإسكان، في برنامج “The Europe Conversation” على قناة Euronews. يهدف التغيير إلى تسهيل ودعم بناء المساكن بأسعار معقولة، وهو أمر يمثل تحديًا كبيرًا للمواطنين ذوي الدخل المتوسط والمحدود في العديد من المدن.
أكد يورغنسن أن القواعد الحالية بشأن المساعدات الحكومية “صارمة للغاية” وتعيق قدرة الدول الأعضاء على الاستثمار في مشاريع الإسكان الاجتماعي. ووفقًا للمعلومات، فإن معاهدة الاتحاد الأوروبي تحظر المساعدات الحكومية إلا إذا كانت ضرورية للتنمية الاقتصادية، لذا تسعى المفوضية إلى تعديل هذه القواعد لتبسيط عملية الدعم وتنشيط قطاع الإسكان.
أزمة الإسكان في أوروبا: الحاجة إلى حلول جذرية
شهدت أسعار الإيجارات وأسعار المنازل في الاتحاد الأوروبي ارتفاعًا ملحوظًا خلال العقد الماضي، حيث زادت الإيجارات بنسبة تقارب 29٪ وأسعار المنازل بأكثر من 60٪ بين عامي 2010 والربع الثاني من عام 2025. وقد أدى هذا الارتفاع إلى موجة من الاحتجاجات في مدن مثل لشبونة وبرشلونة وكوبنهاغن، حيث طالب المواطنون بتحسين مستويات المعيشة وتوفير السكن بأسعار معقولة.
أشار يورغنسن إلى أن تكلفة البناء نفسها قد ارتفعت بشكل كبير، حيث وصلت إلى 48٪ بين عامي 2010 و 2023. وهي عوامل تضاف إلى الضغوطات المالية على الأسر والمطورين على حد سواء، مما يزيد من صعوبة توفير خيارات سكنية ميسورة التكلفة.
تحديات تواجه توفير السكن
شدد يورغنسن على أن الأزمة أصبحت متجذرة لدرجة أن أصحاب الوظائف العاديين وأصحاب الدخول العادية لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف المعيشة في العديد من المدن الأوروبية الكبرى. وأوضح أن حل هذه المشكلة يتطلب اتباع نهج شامل يتضمن زيادة المعروض من المساكن الميسرة، والاستثمار في مشاريع جديدة، وتخفيف القيود على المساعدات الحكومية.
أكد المسؤول الأوروبي على أهمية معالجة جوانب متعددة، بما في ذلك الاستثمارات، والطاقة، والسياسات الاجتماعية، وقواعد السوق الداخلي، وقواعد المساعدات الحكومية. ويعتقد أنه بدون النظر إلى كل هذه الجوانب بشكل متكامل، سيكون من الصعب تحقيق حلول مستدامة لأزمة الإسكان.
حتى الآن، كان قطاع الإسكان مسؤولية كاملة للسلطات الوطنية والإقليمية والمحلية. ومع تصاعد أهمية الإسكان في الانتخابات عبر الاتحاد الأوروبي، أدركت بروكسل أنه يمثل مشكلة أوروبية تتطلب حلولًا أوروبية. وقد دفع هذا الإدراك إلى تعيين أول مفوض أوروبي لشؤون الإسكان.
بالإضافة إلى ذلك، تخطط المفوضية الأوروبية لتقديم مبادرة جديدة بحلول عام 2026 لمعالجة مشكلة التأجيرات قصيرة الأجل، مثل تلك التي تقدمها منصات Airbnb و Booking.com. ويرى يورغنسن أن السياحة أمر جيد، ولكن ليس على حساب حياة السكان المحليين، مشيرًا إلى أن انتشار هذه المنصات ساهم في ارتفاع أسعار المساكن.
كما ستولي المفوضية اهتمامًا خاصًا بـ “التحويل المالي للقطاع”، حيث يشير ذلك إلى زيادة المضاربة واعتبار الإسكان سلعة استثمارية من قبل العديد من المستثمرين. وأوضح يورغنسن أنه لا يمانع في تحقيق الأرباح، لكن يجب الاعتراف بأن الاستثمارات التي تتم بهدف الربح قد لا تؤدي دائمًا إلى أفضل النتائج للمجتمع ككل.
تعتبر هذه الخطوات جزءًا من خطة الإسكان الميسر التي من المتوقع أن تقدمها المفوضية الأوروبية في ديسمبر القادم. وستشمل الخطة مزيجًا من المبادرات غير الملزمة والمقترحات التشريعية، مثل قانون خدمات البناء وقواعد جديدة بشأن التأجيرات قصيرة الأجل. ومن المتوقع أن تساهم هذه الخطة في تسهيل بناء المساكن الميسرة والاجتماعية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
في الختام، من المقرر أن تقدم المفوضية الأوروبية خطتها الشاملة للإسكان الميسر في ديسمبر، مما يمثل خطوة مهمة نحو معالجة أزمة الإسكان المتفاقمة. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض أوجه عدم اليقين بشأن التفاصيل والآثار المترتبة على هذه الخطة، وسيكون من المهم مراقبة التطورات المستقبلية لتقييم فعاليتها في تحقيق هدف توفير السكن اللائق لجميع المواطنين الأوروبيين. وتعتبر قضية تنظيم التأجيرات قصيرة الأجل، ووضع حد للمضاربة في قطاع العقارات، من بين النقاط الرئيسية التي يجب مراقبتها في الأشهر المقبلة.






