أدان الاتحاد الأوروبي بشدة الهجوم الذي استهدف مدينة كلوقي في ولاية جنوب كردفان، والذي نفذته قوات الدعم السريع وأوقع عشرات الضحايا، معظمهم من الأطفال. وتعتبر هذه الحادثة تصعيداً خطيراً في النزاع في السودان، وتثير مخاوف دولية متزايدة بشأن حماية المدنيين. وقد وصف الاتحاد الأوروبي ما حدث بأنه “جريمة حرب واضحة”، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد.
وقالت مفوضة إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، هاجة لحبيب، إن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية أمر محظور تماماً بموجب القانون الدولي الإنساني. وأضافت أن “العنف المفرط ضد السكان يتطلب مساءلة عاجلة”، داعية أطراف النزاع إلى احترام التزاماتها القانونية وحماية المدنيين، وتجنب المزيد من التصعيد الذي يهدد حياة الآلاف.
عشرات القتلى في قصف كلوقي
أفاد مدير محلية كلوقي للجزيرة بارتفاع حصيلة ضحايا القصف الذي نفذته قوات الدعم السريع إلى 80 قتيلاً، بينهم 46 طفلاً. وتشير التقارير إلى أن القصف استمر بعد محاولات الأهالي لانتشال المصابين، مما أدى إلى زيادة عدد الضحايا بشكل كبير. وتأتي هذه الحادثة في سياق معارك مستمرة في ولايات كردفان.
في البداية، أعلنت ولاية جنوب كردفان مقتل 8 أشخاص، بينهم 6 أطفال ومعلمة، في قصف استهدف روضة أطفال ومستشفى ريفي. ولكن مع استمرار القصف، ارتفعت حصيلة الضحايا بشكل مأساوي.
استهداف مباشر للمدنيين والبنية التحتية
اتهمت وزارة الخارجية السودانية قوات الدعم السريع بارتكاب “مذبحة مكتملة الأركان” في كلوقي. وذكرت الوزارة أن القوات استهدفت بشكل مباشر روضة الأطفال بصواريخ من طائرة مسيرة، ثم استأنفت القصف أثناء محاولات الأهالي إنقاذ المصابين، وأخيراً طاردت المصابين والمسعفين داخل المستشفى.
وبحسب بيان الخارجية، فإن القصف المزدوج أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا إلى 80 قتيلا و38 جريحا. ووصف الهجوم بأنه “سابقة لم يعرف العالم لها مثيلا من قبل”.
تدهور خطير في الوضع الإنساني وسوء معاملة المعتقلين
وتأتي هذه الأحداث وسط تحذيرات أممية متزايدة من تدهور كارثي في الوضع الإنساني في السودان. فقد أفادت شبكة أطباء السودان باحتجاز قوات الدعم السريع لأكثر من 100 أسرة من بابنوسة والقرى المجاورة غربي كردفان.
وتشمل الأسر المحتجزة أطفالاً ونساء حوامل، الذين يعيشون في ظروف إنسانية “بالغة الخطورة”. وقد أبلغت الشبكة عن تعرض عدد من النساء للضرب والإهانة، مؤكدة أن احتجاز المدنيين وسوء معاملتهم يمثل “خرقا فاضحا للقانون الدولي الإنساني” ويعمق الأزمة الإنسانية.
وحذّر المدير الإقليمي لمفوضية اللاجئين في شرق وجنوب أفريقيا، مامادو ديان بالدي، من أن التصعيد في كردفان يبقي آلاف المدنيين تحت الحصار. وأوضح أن النساء والأطفال وكبار السن فقط يتمكنون من الفرار، في حين يتجنب الرجال التحرك خوفًا من التعرض للاستهداف. وأشار إلى أن المفوضية وشركاءها يحتاجون إلى “موارد إضافية عاجلة” وإمكانية وصول آمن إلى المحتاجين.
وتشهد ولايات كردفان الثلاث منذ أسابيع معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. في ظل سيطرة الأخيرة على معظم ولايات دارفور الخمس، يحتفظ الجيش بالسيطرة على أغلب الولايات الأخرى بما في ذلك العاصمة الخرطوم. كما يشهد الوضع في السودان تصاعداً في وتيرة العنف.
ويحذر مراقبون من أن توسع المعارك إلى عمق كردفان ينذر بنزوح أكبر. فقد تسبب النزاع السوداني منذ أبريل/نيسان 2023 في مقتل عشرات الآلاف ونزوح قرابة 13 مليون شخص. هذا النزاع يمثل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالمياً، ويتطلب استجابة دولية عاجلة لمواجهة التحديات المتزايدة.
نمط متكرر من الفظائع وتصعيد الموقف
وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن المفوضية وثّقت منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول “مقتل ما لا يقل عن 269 مدنيا بسبب الغارات الجوية والقصف والإعدامات الميدانية في شمال كردفان”. وأضاف تورك أن ما يحدث يعكس “تكرارا لسيناريو الفظائع التي شهدتها الفاشر”، مؤكداً على أهمية حماية المدنيين وتقديم المسؤولين عن هذه الانتهاكات إلى العدالة.
وأكد تورك أنه لا يمكن السماح بتكرار المآسي، داعياً إلى حماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. وتشير التقديرات إلى أن الوضع قد يتدهور بشكل أكبر في الأيام والأسابيع القادمة، مما يستدعي جهوداً مكثفة لوقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي شامل.
من المتوقع أن يناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الوضع في السودان في اجتماع مغلق الأسبوع المقبل. وستركز المناقشات على سبل تعزيز حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان المجلس سيتمكن من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن اتخاذ إجراءات ملموسة، في ظل الخلافات القائمة بين الدول الأعضاء.





