يشهد مشهد الإنترنت تحولات كبيرة مع تزايد الضغط لتطبيق قوانين السلامة على الإنترنت، حيث ناقش الكونجرس الأمريكي 19 مشروع قانون يوم الثلاثاء يهدف إلى تنظيم المحتوى وحماية الأطفال. تأتي هذه المناقشات في وقت أصبحت فيه قوانين التحقق من العمر شائعة في نصف الولايات الأمريكية وحول العالم، مما يثير جدلاً واسعاً حول مستقبل حرية التعبير والخصوصية الرقمية.

وتشمل هذه التشريعات المقترحة إجراءات للتحقق من الهوية والسن قبل الوصول إلى محتوى البالغين، مما أثار مخاوف تتعلق بالرقابة والمراقبة. تتزايد المخاوف من أن هذه القوانين، على الرغم من نواياها الحسنة، قد تقوض مبادئ أساسية في عالم الإنترنت.

تزايد قوانين السلامة على الإنترنت: نظرة شاملة

ركزت جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب الأمريكي على عدة مشاريع قوانين رئيسية، بما في ذلك قانون سلامة الأطفال على الإنترنت (KOSA) الذي حظي بموافقة واسعة النطاق من الحزبين في مجلس الشيوخ العام الماضي. ويهدف هذا القانون إلى حماية الأطفال من المحتوى الضار عبر الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، تم النظر في قانون الحد من تعريض المراهقين لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي الضار، والذي يقترح حظر السماح للأطفال دون سن 16 عامًا باستخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

المخاوف الرئيسية من التشريعات الجديدة

تثير هذه التشريعات مجموعة متنوعة من القضايا، تتجاوز التحقق من العمر لتشمل الرقابة الأبوية، وأبحاث المستهلك حول القُصّر، والذكاء الاصطناعي، وخصوصية البيانات. تتطلب العديد من هذه المشاريع من المستخدمين تحميل هوياتهم أو السماح بالمسح الضوئي لوجوههم، مما يثير تساؤلات حول أمان البيانات الشخصية.

تعتقد منظمة “Fight for the Future” للدفاع عن الحقوق الرقمية أن هذا التحول نحو التحقق من الهوية يمثل سابقة خطيرة. وصفت المنظمة هذه القوانين بأنها “رقابية” وتهدد الحريات الديمقراطية. أشارت سارة فيليبس، وهي ناشطة في المنظمة، إلى أن هذه القوانين لا تحظى بشعبية كبيرة بين مستخدمي الإنترنت، على الرغم من أنها تعتبر “منطقية” من قبل بعض المشرعين.

بدأ قانون التحقق من العمر في ميزوري في العمل مؤخرًا، مما يجعل الولايات المتحدة تصل إلى 25 ولاية لديها شكل من أشكال التحقق من العمر. عادةً ما تتضمن هذه العملية خدمات تابعة لجهات خارجية، والتي تكون عرضة بشكل خاص لانتهاكات البيانات.

بالإضافة إلى الولايات المتحدة، اعتمدت المملكة المتحدة هذا العام أيضًا تفويضًا للتحقق من العمر من خلال قانون السلامة على الإنترنت. وفي أستراليا، سيدخل حظر على وسائل التواصل الاجتماعي للمراهقين حيز التنفيذ في 10 ديسمبر، مما يتطلب من شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلغاء تنشيط حسابات المستخدمين دون سن 16 عامًا. وقد بدأت منصات مثل Instagram و YouTube و Snap و TikTok بالفعل في الامتثال لهذا الحظر التاريخي.

ويرى البعض أن قوانين التحقق من العمر ليست حلاً فعالاً لحماية الأطفال على الإنترنت، بل قد تؤدي إلى عواقب غير مقصودة. فقد يجد الأطفال طرقًا للالتفاف على هذه القوانين، أو قد يضطرون إلى استخدام هويات مزيفة، مما قد يعرضهم لمخاطر أكبر. كما أن جمع البيانات الشخصية على نطاق واسع يثير مخاوف جدية بشأن الخصوصية والأمن.

الجدل حول الرقابة وتأثيرها على حرية التعبير

تعتبر فيليبس من “Fight for the Future” أن هذه القوانين تمثل تهديدًا مباشرًا للحرية الديمقراطية. وتشير إلى أن هذه المقترحات تشبه إلى حد كبير الحجج التي تقف وراء حظر الكتب والقوانين التي تجرم الرعاية الصحية المواتئة للنوع الاجتماعي أو معلومات الإجهاض في بعض المناطق. يخشى النقاد أن تؤدي هذه القوانين إلى فرض رقابة ذاتية من قبل منصات الإنترنت، مما يحد من الوصول إلى المعلومات والمحتوى المشروع.

هناك أيضًا قلق من أن قوانين الرقابة على الإنترنت قد يتم استخدامها لقمع المعارضة السياسية أو لتقييد حرية التعبير عن طريق تقييد الوصول إلى المعلومات التي تعتبر حساسة أو مثيرة للجدل. يشير بعض الخبراء إلى أن هذه القوانين قد تفتح الباب أمام تدخل حكومي غير مسبوق في عالم الإنترنت.

التركيز المتزايد على حماية القُصّر على الإنترنت هو بالتأكيد أمر مهم، ولكن يجب أن يتم ذلك بطريقة متوازنة تحترم حقوق الإنسان والحريات المدنية. يجب على المشرعين النظر بعناية في العواقب المحتملة لهذه القوانين والتأكد من أنها لا تقوض المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الإنترنت.

بالإضافة إلى ذلك، يجب البحث عن حلول بديلة لحماية الأطفال على الإنترنت، مثل تعزيز التعليم الإعلامي الرقمي، وتوفير أدوات الرقابة الأبوية الفعالة، وتشجيع الشركات على تطوير تقنيات أكثر أمانًا وخصوصية. هذه الحلول يمكن أن تكون أكثر فعالية في حماية الأطفال دون المساس بحرية التعبير والخصوصية.

في النهاية، من المتوقع أن يستمر الكونجرس في مناقشة هذه التشريعات خلال الأشهر المقبلة، مع احتمال إجراء تعديلات أو رفض بعض المشاريع. يجب مراقبة التطورات المتعلقة بهذه القوانين عن كثب، بالإضافة إلى ردود فعل الشركات ومنظمات المجتمع المدني، لفهم تأثيرها المحتمل على مستقبل الإنترنت. من غير المؤكد حتى الآن ما إذا كانت هذه القوانين ستمرر في شكلها الحالي، ولكن من الواضح أنها تمثل نقطة تحول في النقاش حول تنظيم الإنترنت وحماية الأطفال.

شاركها.