الإساءة في الطفولة، سواء كانت جسدية أو لفظية أو نفسية، تمثل أحد أخطر العوامل التي تهدد نمو الطفل وصحته على المدى البعيد، فهي لا تقتصر على الألم الفوري أو الأذى الجسدي، بل تترك آثارًا عميقة تمتد إلى مرحلة البلوغ، فتنعكس على الصحة النفسية والسلوك والعلاقات الاجتماعية.

ورغم أن بعض أشكال الإساءة قد تكون خفية وغير مرئية للعين، فإن أضرارها قد تساوي أو تفوق أشد أشكال العنف وضوحًا، ما يجعل مواجهتها أولوية قصوى لحماية الأجيال القادمة.

مخاطر الإساءة اللفظية في مرحلة الطفولة 

كشفت دراسة حديثة عن مخاطر بالغة للإساءة اللفظية في مرحلة الطفولة، مشيرةً إلى أنها قد تخلّف أضرارًا نفسية طويلة الأمد تماثل أو حتى تفوق تلك الناتجة عن الإيذاء الجسدي.

وأكد الباحثون أن هذه الظاهرة تستحق أن تُدرج ضمن أولويات الصحة العامة، نظرًا لآثارها العميقة والمستمرة على الأفراد والمجتمع، وذلك وفقًا لما نشره موقع newatlas.

تفاصيل الدراسة وبيانات المشاركين

أُجريت الدراسة في جامعة ليفربول جون موريس، واعتمدت على بيانات 20,687 شخصًا بالغًا من إنجلترا وويلز، جُمعت خلال الفترة من عام 2012 وحتى 2024.

وتضمن الاستطلاع أسئلة حول التعرض للإساءة الجسدية أو اللفظية قبل بلوغ سن الثامنة عشرة، إضافةً إلى تقييم الصحة النفسية الحالية للمشاركين باستخدام مقياس وارويك – إدنبرة القصير للصحة النفسية.

نتائج صادمة حول الأثر النفسي

أظهرت النتائج أن من تعرضوا للإساءة اللفظية كانوا أكثر عرضة لتدهور صحتهم النفسية في مرحلة البلوغ بمعدل 1.64 مرة مقارنة بغيرهم، بينما بلغت النسبة 1.52 مرة لدى ضحايا الإيذاء الجسدي، وارتفعت إلى 2.15 مرة عند التعرض لكلا النوعين من الإساءة.

ورغم انخفاض معدلات الإيذاء الجسدي من 20.2% بين مواليد السبعينيات إلى 10% لدى مواليد عام 2000 وما بعده، إلا أن الإساءة اللفظية شهدت ارتفاعًا متواصلًا. 

كما ارتفعت معدلات العزلة الاجتماعية بين ضحايا الإساءة اللفظية لتصل إلى 13.6%، مقابل 7.7% فقط لدى من لم يتعرضوا لها.

آثار خفية لكنها عميقة

أشارت الدراسة إلى أن الإساءة اللفظية قد لا تترك علامات فورية أو واضحة، لكنها تسبب أضرارًا نفسية وجسدية طويلة المدى، من بينها زيادة معدلات القلق والاكتئاب، وتعاطي المخدرات والكحول، بالإضافة إلى السلوكيات الخطرة والعنيفة.

دعوة للتعامل معها كقضية صحة عامة

أكد الباحثون أن هذه النتائج لا تقلل من خطورة الإيذاء الجسدي، لكنها تسلط الضوء على ضرورة الاعتراف بالإساءة اللفظية كخطر موازٍ، ودمجها في سياسات حماية الطفل وخطط علاج البالغين المتأثرين بها.

وقال البروفيسور مارك بيلس من جامعة ليفربول إن حظر الإيذاء الجسدي في بعض الدول يمثل خطوة إيجابية، لكنها تحتاج إلى دعم مجتمعي وتوعوي شامل يركز على مخاطر الإساءة اللفظية، محذرًا من أن غياب الوعي والدعم قد يؤدي إلى استبدال نوع من الإساءة بآخر، مع استمرار الأضرار على المدى البعيد.

شاركها.