تراجعت الأسهم الصينية فيما ارتفعت العقود الآجلة للسندات، ما يعكس استمرار قلق المستثمرين من التوترات التجارية، رغم إشارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلى انفتاحه على الحوار مع بكين.

وانخفض مؤشر “هانغ سنغ للشركات الصينية” بنسبة بلغت 3.1% في تعاملات الإثنين، مع تراجع أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “علي بابا غروب” و”تينسنت هولدينغز” والتي ضغطت على المؤشر. 

كما هبط مؤشر “سي إس آي 300″، الذي يُعد المقياس الرئيس للأسهم المدرجة في البرّ الرئيسي، بنسبة 2.7%. ورفع بنك الشعب الصيني سعر الصرف المرجعي اليومي لليوان إلى أقوى مستوى له منذ نوفمبر، في محاولة للحفاظ على استقرار العملة.

تراجع يعكس هشاشة الهدنة التجارية

يأتي هذا التراجع بعد موجة صعود حادة شهدتها الأسهم الصينية هذا العام، إذ تجاهل المستثمرون الاحتكاكات التجارية، وراهنوا على قوة قطاع التكنولوجيا في البلاد، وقدرة بكين على دعم الاقتصاد.

غير أن تهديد ترمب في نهاية الأسبوع الماضي بفرض رسوم إضافية بنسبة 100% على السلع الصينية، رداً على قيود بكين على صادرات المعادن الحيوية، شكّل تذكيراً صارخاً بمدى هشاشة أي هدنة تجارية بين الطرفين.

وكان الهبوط أقل حدة من الانخفاض الذي شهده مؤشر “ناسداك غولدن دراغون الصين” يوم الجمعة بنسبة 6.1%. ويبدو أن بعض المستثمرين استغلوا موجة البيع لاقتناص فرص الشراء عند الانخفاض، متوقعين تفادي الأسوأ بعد مؤشرات من البيت الأبيض على استعداده للتوصل إلى اتفاق.

وقال ديلين وو، المحلل في شركة “بيبرستون غروب”: “يجب أن تستعد الأسواق لتقلبات قصيرة الأمد بسبب عناوين الرسوم الجمركية، لكن قاعدة الصادرات المتنوعة للصين واستجابة سياساتها السريعة يعنيان أن الأثر الأوسع على الاقتصاد والأسواق سيظل محدوداً”. وأضاف: “قد ينظر المتداولون إلى هذا كصدمة مؤقتة لا كتهديد هيكلي”.

مخاوف من تدهور طويل الأمد

قد يؤدي تدهور العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم إلى تقويض أداء أحد أفضل أسواق الأسهم في العالم هذا العام، وإحياء الشكوك حول جاذبية الصين الاستثمارية.

ارتفع مؤشر “هانغ سنغ الصين” بنحو 30% منذ بداية عام 2025 حتى يوم الجمعة، مستفيداً من الهدنة التجارية مع الولايات المتحدة ومن التفاؤل بشأن التوسع في مجال الذكاء الاصطناعي. وكانت أسهم التكنولوجيا من أبرز الرابحين، إذ تضاعف سعر سهم “علي بابا” أكثر من مرتين هذا العام.

خلافاً لموجة التراجع العامة، ارتفعت أسهم شركات تصنيع الرقائق الصينية، وسط رهانات على أن بكين ستكثف جهودها للحد من واردات التكنولوجيا الأميركية، وتعزيز الشركات المحلية.

وصعد سهم “سيميكونداكتور مانوفاكتشرينغ إنترناشونال كورب” بنسبة وصلت إلى 6.1% في البر الرئيسي. كما حققت أسهم المعادن النادرة مكاسب، مع استخدام الصين لهذه الموارد كورقة ضغط تجارية رئيسية.

استقرار العملة وارتفاع السندات الصينية

في سوق العملات، ارتفع اليوان الخارجي بنسبة 0.2%، ليمحو خسائره من يوم الجمعة. وحدد بنك الشعب الصيني سعر الصرف عند 7.1007 يوان لكل دولار يوم الإثنين، وهو مستوى أعلى من توقعات الاقتصاديين في استطلاع “بلومبرغ”. كما ارتفعت العقود الآجلة للسندات الصينية، وسط توجه نحو الأصول الآمنة، وقفزت عقود الثلاثين عاماً بنسبة بلغت 0.7%.

وقال خون غو، رئيس أبحاث آسيا في “إيه إن زد” بسنغافورة: “إن تحديد سعر الصرف بهذا الشكل هو إشارة قوية إلى أن بنك الشعب الصيني، رغم تهديد ترمب بفرض رسوم 100% على الصين، لن يسمح بانخفاض قيمة اليوان، ويعتزم الحفاظ على استقرار سعر الصرف”، مضيفاً أن ذلك “سيساعد على تهدئة أسواق العملات الآسيوية الأوسع اليوم”.

مؤشرات على مرونة الاقتصاد وتفاؤل محدود

يرى بعض المحللين أن أي ضغط هبوطي على السوق سيتم امتصاصه من قبل المستثمرين الذين فاتتهم مكاسب هذا العام، فيما أظهرت البيانات أن الشركات الصينية صدّرت في الشهر الماضي بضائع إلى الخارج بأكثر مما كان متوقعاً، إذ ارتفعت الصادرات بنسبة 8.3% في سبتمبر مقارنة بالعام الماضي، متجاوزة التوقعات البالغة 6.6% في استطلاع “بلومبرغ”.

وقال فرانسيس تان، كبير الاستراتيجيين الآسيويين في “إندوسوز ويلث” في سنغافورة، إن جولة التصعيد الجديدة بين الولايات المتحدة والصين “ستسبب ضغطاً سريعاً على الأسهم الصينية، لكنها تمثل فرصة جيدة لزيادة المراكز لمن لا يمتلكون حصة كافية من السوق الصينية في محافظهم”. وأضاف أن “التصحيح سيكون صحياً للأسهم الصينية بعد المكاسب القوية التي حققتها منذ بداية العام”.

المفاوضات والتركيز على ضوابط التصدير

تركّز المفاوضات بين بكين وواشنطن حالياً على ضوابط التصدير، إذ تحدّ الولايات المتحدة من شحنات أشباه الموصلات ورقائق الذكاء الاصطناعي التي تحتاجها الصين، بينما تقيّد بكين صادرات المواد الحيوية والمغناطيسات المطلوبة في أميركا.

كما يترقب المستثمرون اجتماعاً مغلقاً للحزب الشيوعي الصيني يُعقد بين 20 و23 أكتوبر لمراجعة خطط التنمية للسنوات الخمس المقبلة. وبعد نهاية صيف شهد اثنين من أضعف أشهر مبيعات التجزئة هذا العام، أظهرت البيانات الأولية تراجعاً إضافياً في الطلب الاستهلاكي خلال عطلة الأسبوع الذهبي التي بدأت في الأول من أكتوبر، ما يعكس استمرار فتور المزاج الاستهلاكي رغم الارتفاع الكبير في الأسهم.

شاركها.