تستعد المفوضية الأوروبية اليوم للإعلان عن خطة طموحة لتطوير مهارات العمال في جميع أنحاء أوروبا، وذلك بهدف التكيف مع احتياجات سوق العمل المتغيرة والاستعداد للتحولات الخضراء والرقمية. تركز هذه الخطة بشكل خاص على التعامل مع تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، وضمان عدم تخلف العمال عن الركب في عصر التكنولوجيا المتسارع.
من المقرر أن تقدم روكسانا مينزاتو، المفوضة الرومانية المسؤولة عن الوظائف والحقوق الاجتماعية، تفاصيل هذه الخطة في مؤتمر صحفي اليوم. تأتي هذه المبادرة في إطار رؤية أوسع لـ “أوروبا الاجتماعية” التي تسعى المفوضية إلى تحقيقها، والتي تهدف إلى تعزيز الحقوق الاجتماعية والعدالة في سوق العمل.
تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل الوظائف
أكدت مينزاتو في تصريحات سابقة أن التنافسية والعدالة الاجتماعية ليستا متعارضتين، بل يجب أن تسيران جنبًا إلى جنب. وأوضحت أن تحقيق التنافسية يتطلب توفير وظائف عالية الجودة، وهو ما لا يمكن تحقيقه من خلال تخفيض معايير العمل.
تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من ربع أماكن العمل في أوروبا تستخدم بالفعل الخوارزميات وأنظمة الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات تؤثر على حياة الموظفين. هذا الانتشار السريع يثير مخاوف بشأن فقدان الوظائف وتأثير هذه التقنيات على ظروف العمل.
الاستعداد للتحولات الرقمية
تدرك المفوضية الأوروبية أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في سوق العمل، حيث قد تختفي بعض الوظائف أو تتحول، بينما ستستفيد أخرى من مساعدة هذه التقنيات. ومع ذلك، فإن القلق الأكبر هو احتمال أن يصبح الذكاء الاصطناعي “رئيسًا” للموظفين بدلاً من مجرد مساعد لهم.
لذلك، تسعى المفوضية إلى خلق بيئة موثوقة تمكن الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وكذلك العمال، من استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي بثقة. يتطلب ذلك تطوير مهارات العمال في مجال الذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على أن التشريعات الجديدة لن تفرض أعباء إضافية على الصناعة الأوروبية.
بالإضافة إلى ذلك، تهدف المفوضية إلى تحديد الفجوات في التشريعات الحالية ووضع قواعد دنيا لحماية حقوق العمال في مواجهة التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي. ويشمل ذلك ضمان الشفافية والمساءلة في استخدام هذه التقنيات، ومنع التمييز والتحيز في قرارات التوظيف والترقية.
“وظائف ذات جودة” في صميم الخطة
أعلنت مينزاتو أيضًا عن فتح باب التشاور بشأن قانون “الوظائف ذات الجودة”، والذي من المقرر تقديمه العام المقبل. يهدف هذا القانون إلى تعزيز الحقوق الاجتماعية وتحسين ظروف العمل في جميع أنحاء أوروبا.
يركز القانون على عدة جوانب رئيسية، بما في ذلك الأجور العادلة، وحقوق النقابات، والحماية من الفصل التعسفي، والوصول إلى التدريب والتطوير المهني. كما يولي اهتمامًا خاصًا بالفئات الأكثر ضعفًا في سوق العمل، مثل الشباب والعاملين ذوي المهارات المنخفضة والمهاجرين.
تعتبر هذه المبادرة جزءًا من جهود أوسع لتعزيز “أوروبا الاجتماعية”، والتي تهدف إلى ضمان أن يستفيد جميع المواطنين الأوروبيين من النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي. وتأتي في وقت يشهد فيه العالم تحولات كبيرة في سوق العمل، بسبب الرقمنة والعولمة والتغيرات الديموغرافية.
من المتوقع أن تستمر المفوضية الأوروبية في التشاور مع أصحاب المصلحة المعنيين، بما في ذلك الحكومات وأصحاب العمل والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني، قبل تقديم قانون “الوظائف ذات الجودة” في العام المقبل. وسيكون من المهم مراقبة التطورات في هذا المجال، وتقييم تأثير هذه التشريعات على سوق العمل والاقتصاد الأوروبي.
يبقى التحدي الأكبر هو ضمان أن تكون هذه الخطط قابلة للتنفيذ وفعالة في تحقيق أهدافها. ويتطلب ذلك تعاونًا وثيقًا بين جميع الأطراف المعنية، واستثمارًا كبيرًا في التعليم والتدريب، وتكييفًا مستمرًا مع التغيرات في سوق العمل.






