اكتشف علماء الآثار في تركيا لوحة جدارية تصور يسوع المسيح في هيئة راعي الخير، بملامح رومانية واضحة، ويعتبر هذا الاكتشاف من أهم الاكتشافات في منطقة الأناضول خلال العصر المسيحي المبكر. تم العثور على اللوحة الجدارية في شهر أغسطس داخل قبو تحت الأرض بالقرب من مدينة إزنيق، حيث تم اعتماد مرسوم الإيمان النيقوي، وهو بيان أساسي للمعتقد المسيحي، في عام 325 ميلادية. ويعود تاريخ القبو نفسه إلى القرن الثالث الميلادي، وهي الفترة التي كانت فيها المنطقة لا تزال تحت الحكم الروماني وكان المسيحيون يتعرضون للاضطهاد.

تقع المدينة في محافظة بورصة، شمال غرب تركيا، وهي منطقة غنية بالتاريخ والأثار الرومانية والبيزنطية. وقد أثارت هذه اللوحة الجدارية اهتمامًا كبيرًا في الأوساط الأكاديمية والدينية على حد سواء، نظرًا لأهميتها في فهم تطور الفن المسيحي في الأناضول.

اكتشاف فريد من نوعه: لوحة جدارية تصور **يسوع المسيح** في الأناضول

تظهر اللوحة الجدارية يسوع المسيح في هيئة شاب يافع، حليق الذقن، يرتدي التوجا الرومانية، ويحمل جديًا على كتفيه، وفقًا لما ذكرته وكالة الأنباء المرتبطة برسائل الأنباء (AP). وأشارت الوكالة إلى أن الباحثين يرون أن هذه اللوحة تمثل واحدة من الحالات النادرة في الأناضول التي يتم فيها تصوير يسوع بصفات رومانية.

يعتقد رئيس فريق التنقيب الأثري أن هذا العمل الفني قد يكون “المثال الوحيد من نوعه في الأناضول”. وتشير التقارير إلى أن حالة اللوحة الجدارية جيدة بشكل ملحوظ، على الرغم من مرور قرون عديدة على إنشائها، مما يسمح بدراسة تفاصيلها بدقة.

أهمية موقع الاكتشاف

تكتسب مدينة إزنيق أهمية خاصة في التاريخ المسيحي، حيث استضافت مجمع نيقية المسكوني الأول في عام 325 ميلادية. خلال هذا المجمع، تم وضع مرسوم الإيمان النيقوي، الذي يحدد العقيدة المسيحية الأساسية حول طبيعة الله واليسوع المسيح.

يعكس هذا الاكتشاف السياق التاريخي للمنطقة، حيث كانت المسيحية في مراحلها الأولى تواجه تحديات وتتعرض للاضطهاد، بينما كانت تحاول ترسيخ جذورها في الإمبراطورية الرومانية. كما يوضح التفاعل الثقافي بين المسيحية والثقافة الرومانية السائدة في ذلك الوقت.

في الآونة الأخيرة، زار البابا ليو الرابع عشر المدينة كجزء من أول رحلة خارجية له منذ توليه قيادة الفاتيكان. وقد أقام البابا قداسًا في الموقع الذي عقد فيه مجمع نيقية، واحتفل بالذكرى السنوية الـ 1700 لاعتماده مرسوم الإيمان النيقوي.

خلال زيارته، انضم البابا ليو الرابع عشر إلى بطاركة وكهنة من الشرق والغرب في صلاة من أجل وحدة المسيحيين. وقد تلا الجميع مرسوم الإيمان النيقوي، الذي وصفه البابا بأنه “من أهم الأسس في رحلة المسيحيين نحو الوحدة الكاملة”.

وقد قدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للبابا لوحة فسيفسائية تصور “الراعي الصالح”، وهي اللوحة الجدارية المكتشفة حديثًا. تأتي هذه الهدية كرمز للصداقة والتعاون بين تركيا والفاتيكان، وتقديرًا لأهمية إزنيق في التاريخ المسيحي.

تعتبر هذه الاكتشافات جزءًا من جهود مستمرة لاستكشاف وتوثيق التراث المسيحي في تركيا. وتشير التقديرات إلى أن هناك العديد من المواقع الأثرية الأخرى في المنطقة التي قد تحتوي على كنوز مماثلة. وتشمل الكنوز الأخرى في المنطقة الكنائس القديمة والآثار البيزنطية.

من المتوقع أن يستمر فريق التنقيب في دراسة القبو واللوحة الجدارية بشكل معمق خلال الأشهر القادمة. وستشمل هذه الدراسة تحليل المواد المستخدمة في اللوحة، وتحديد أسلوبها الفني، ومقارنتها بأعمال فنية أخرى من نفس الفترة.

بالإضافة إلى ذلك، سيتم العمل على ترميم اللوحة الجدارية للحفاظ عليها للأجيال القادمة. ويعتبر هذا العمل ضروريًا لضمان بقاء هذا الكنز التاريخي والفني في حالة جيدة.

في الوقت الحالي، لا تزال هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها حول هذه اللوحة الجدارية. على سبيل المثال، من هو الفنان الذي قام بإنشائها؟ وما هي الظروف التي أدت إلى رسمها؟ وما هو الدور الذي لعبه القبو الذي عثرت فيه على اللوحة؟

من المتوقع أن تساعد الدراسات المستقبلية في الإجابة على هذه الأسئلة، وتقديم فهم أعمق لتاريخ المسيحية في الأناضول. وستظل هذه المنطقة محط اهتمام الباحثين والمهتمين بالتاريخ المسيحي لسنوات قادمة.

شاركها.