في اكتشاف أثري مذهل يعيد كتابة تاريخ الأمريكتين، تمكنت عالمة الآثار البيروفية الشهيرة من الكشف عن أدلة جديدة تثبت أن حضارة كارال، أقدم حضارة معروفة في الأمريكتين، نجت من جفاف مدمر قبل 4200 عام دون اللجوء إلى العنف أو الانهيار.

تاريخ حضارة كارال

تأسست حضارة كارال في وادي سوبي شمال ليما حوالي 3000 قبل الميلاد، حيث كانت تتضمن 32 مبنى ضخماً، ساحات دائرية غائرة، وأنظمة ري معقدة جعلتها معاصرة لحضارات بلاد الرافدين ومصر والهند والصين. 

ازدهرت هذه الحضارة على امتداد ثلاثة أنهار، نهر الفورتاليزا، والباتيفيلكا، والسوب. تحتوي وديان هذه الأنهار على مجموعات كبيرة من المواقع. في أقصى الجنوب، يوجد العديد من المواقع المرتبطة على طول نهر هوارا. 

يُشتّق الاسم، كارال سوب، من مدينة كارال الواقعة في وادي سوب، وهو موقع ضخم لحضارة نورت شيكو ومدروس جيدًا. نشأ مجتمع مركب في نورت شيكو بعد ألف عام من قيام حضارة سومر (السومرية) في بلاد ما بين النهرين، وكان معاصرًا للأهرامات المصرية، وقد سبق ظهور شعب الأولمك في أمريكا الوسطى بنحو ألفي عام.

ومع ذلك، شهدت الحضارة في واحدة من الفترات الأكثر تحدياً في تاريخها، جفافاً هائلاً قبل 4200 عام، دفع السكان إلى الهجرة بحثاً عن مصادر جديدة للحياة.

ترك السكان مدينتهم الأصلية وأسسوا مستوطنات جديدة في مناطق مثل فيشاما، غرباً على ساحل المحيط الهادئ، وبينكو، شرقاً. 

هؤلاء الذين هاجروا لم يتخلوا عن تقنياتهم المعمارية القديمة، حيث قاموا بنحت أهرامات معبدية وساحات دائرية، بالإضافة إلى نقوش جدارية تحكي قصص النجاة من المجاعة والتغيرات المناخية.

آثار حضارة كارال

في معبد فيشاما، عُثر على نقوش جدارية تمثل معاناة السكان أثناء الجفاف. من بين النقوش جدار يظهر جثثا نحيلة، وبطونا غائرة، تمثل ضحايا الجوع. 

بينما يظهر جدار آخر نساء حوامل ورموزا مائية تعبر عن العودة المحتملة للخصوبة. يظهر في نقش آخر وجه ضفدع بشري يخرج من الأرض، في رمز يدل على عودة الماء.

تشير الأدلة المستخرجة من المواقع الأثرية إلى أن المجتمع كان يسوده السلام والمساواة بين الجنسين، حيث تم اكتشاف تماثيل طينية غير محروقة تمثل رجالاً ونساء ذوي مكانة، ما يدل على توازن الدور بين الجنسين. الآثار تشير أيضاً إلى عدم وجود أي دليل على العنف، ما يعكس طبيعة مجتمعهم المتسامح.

تقول عالمة الآثار إن هذه الأدلة الجديدة تشير إلى أن حضارة كارال لم تنقرض بل تكيفت بشكل سلمي. وقد أكدت أن البيروفيين اليوم يمكنهم أن يتعلموا من أسلافهم العيش في تناغم مع الطبيعة، خاصة في ظل التغير المناخي الحالي.

وبحسب الأثريين، هذا الاكتشاف يعيد تشكيل فهمنا لحضارة كارال، ويعزز الفكرة بأن التطور والتكيف ليس بالضرورة أن يكونا مرتبطين بالعنف أو الفوضى، بل يمكن أن يحدثا من خلال التعاون والابتكار في وجه التحديات.

شاركها.