في عام 2026، يواجه الاقتصاد الآسيوي منعطفاً حاسماً، حيث تسعى القوى الكبرى – الصين واليابان والهند – إلى تحقيق التوازن بين النمو والتحديات المتزايدة. تشهد هذه الدول تغيرات ديناميكية في السياسات الاقتصادية، والتوترات التجارية العالمية، والتحولات الديموغرافية، مما يجعل العام القادم فترة اختبار حقيقية لقدرتها على الحفاظ على زخمها الاقتصادي. هذا التقرير يقدم نظرة على آفاق هذه الاقتصادات الثلاثة، والتحديات التي تواجهها، والفرص المتاحة لها.

تعتبر آسيا محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي العالمي، حيث تساهم بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع ذلك، يواجه هذا النمو تحديات متزايدة، بما في ذلك تباطؤ التجارة العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة، والتوترات الجيوسياسية. يُركز الاهتمام بشكل خاص على أداء الصين، التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتأثيرها على بقية المنطقة.

الاقتصاد الآسيوي في مواجهة تحديات عالمية

تواجه الصين تباطؤاً في الاستهلاك والاستثمار، بالإضافة إلى التهديدات التجارية من أوروبا وتفكك سلاسل التوريد. على الرغم من امتلاكها فائضاً تجارياً يتجاوز التريليون دولار، إلا أن القيادة الصينية تدرك الحاجة إلى تنويع مصادر النمو. تسعى الحكومة إلى تطوير التكنولوجيا والصناعات المتقدمة والروبوتات كمحركات جديدة للنمو، مع التركيز على تعزيز الطلب المحلي.

ترى جانو تشان، المؤسسة في “بايتسايزد إكونوميكس”، أن العام المقبل سيكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة الصين على الاعتماد على الإنتاج والاستهلاك الداخلي لدفع النمو. واقترحت أن قبول معدل نمو أقل من 5% قد يكون خطوة إيجابية نحو اقتصاد أكثر استدامة، مما يقلل من الاعتماد على الديون ويسمح بالتركيز على مجالات أخرى للتنمية.

هناك نقاش مستمر حول مستقبل اليوان الصيني، حيث يدعو البعض إلى رفع قيمته لتعزيز القوة الشرائية والاستثمار الأجنبي. في المقابل، يرى آخرون أن خفض قيمة اليوان قد يكون ضرورياً لدعم الصادرات في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. تقترح لي شينغ، مستشارة استراتيجية في الأسواق المالية لدى “إكسنيس”، أن تعزيز قيمة اليوان قد يساعد في إعادة توازن العوامل المؤثرة في النمو الصيني، وتحويل التركيز من الصادرات إلى الاستهلاك المحلي.

آفاق اقتصاد اليابان في 2026

بالانتقال إلى اليابان، يمثل عام 2026 اختبارًا رئيسيًا لرئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايتشي. تواجه تاكايتشي مهمة معقدة تتمثل في الموازنة بين المشاريع الاستراتيجية طويلة الأجل ومعالجة قضايا التضخم والركود في الأجور. ويعتبر النمو الاقتصادي في اليابان تحديًا خاصًا بسبب شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد.

تشير شينغ إلى أن اعتماد اليابان الكبير على التصدير يجعلها عرضة لتقلبات التجارة العالمية. إضافة إلى ذلك، فإن انخفاض أسعار الفائدة في اليابان مقارنة بالولايات المتحدة يضعف الين. ومع ذلك، تتوقع شينغ أن يقوم بنك اليابان برفع تدريجي لأسعار الفائدة خلال العام القادم، مما قد يدعم قيمة العملة المحلية.

التحديات الديموغرافية والسياسات النقدية

تعد معالجة التحديات الديموغرافية، مثل شيخوخة السكان ونقص الأيدي العاملة، أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق النمو المستدام في اليابان. قد تحتاج الحكومة إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية لزيادة الإنتاجية وتشجيع المشاركة في القوى العاملة. كما أن السياسة النقدية للبنوك المركزية تلعب دوراً رئيسياً في تحديد مسار الاقتصاد.

نظرة مستقبلية واعدة للاقتصاد الهندي

على النقيض من ذلك، تبدو النظرة المستقبلية للهند أكثر تفاؤلاً. تتوقع الهند نموًا قويًا يتجاوز 7%، مدعومًا بتكلفة تمويل منخفضة وارتفاع الشهية الاستثمارية. ومع ذلك، تراقب الهند أيضاً الضغوط التجارية من الولايات المتحدة والتنافس مع الصين. وتعتبر الهند سوقًا واعدة للشركات العالمية، بفضل حجمها السكاني الكبير ونموها الاقتصادي السريع.

تؤكد تشان أن الاقتصاد الهندي يتمتع بمزايا فريدة، مثل اعتماده الأكبر على الخدمات، مما يجعله أقل عرضة للتعريفات الجمركية. كما أن الطلب المحلي القوي يلعب دورًا رئيسيًا في دعم النمو. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإنفاق على البنية التحتية في الهند أقل بكثير من الصين، مما يوفر لها مرونة مالية أكبر للاستثمار في المشاريع الإنتاجية.

في الختام، يشهد الاقتصاد الآسيوي تطورات مهمة في عام 2026، مع تحديات وفرص مختلفة لكل دولة. من المتوقع أن تشهد الصين تحولاً في استراتيجية النمو، بينما تسعى اليابان إلى معالجة التحديات الداخلية والخارجية. أما الهند، فمن المتوقع أن تواصل نموها القوي وتصبح وجهة جذابة للمستثمرين. ستكون تطورات السياسة النقدية، والتوترات التجارية العالمية، والاستثمارات في البنية التحتية، من العوامل الرئيسية التي ستشكل مسار هذه الاقتصادات في الأشهر المقبلة. وينبغي مراقبة مؤشرات النمو الصادرة في الربع الأول من عام 2026 لتقييم المسار الفعلي الذي تتخذه هذه الدول.

شاركها.