تعيش العاصمة البوركينابية واغادوغو منذ نهاية يوليو/تموز الماضي على وقع قضية اعتقال مواطن فرنسي يشغل منصب مدير فرع منظمة دولية تُعنى بالأمن الإنساني، وسط صمت رسمي وتكهنات متزايدة بشأن خلفيات التوقيف وتداعياته على عمل المنظمات غير الحكومية في البلاد.

توقيف دون إعلان رسمي

وكشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية، أمس الأربعاء، عن أن السلطات في بوركينا فاسو أوقفت يوم 28 يوليو/تموز الماضي مدير فرع منظمة “إنسو الدولية” في البلاد، وهي منظمة دولية مقرها لاهاي، متخصصة في تقديم تحليلات أمنية للمنظمات الإنسانية العاملة في مناطق النزاع.

وحسب مصادر مطلعة تحدثت لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن المواطن الفرنسي “يُعامل بشكل جيد”، وأن المنظمة على تواصل مع السلطات البوركينابية سعيا لإطلاق سراحه.

غير أن الحكومة لم تصدر أي بيان رسمي بشأن الاعتقال، مما أثار تساؤلات حول دوافعه وتوقيته.

نشاط المنظمة تحت المجهر

بعد 3 أيام فقط من توقيف مديرها، قررت السلطات تعليق نشاط “إنسو” لمدة 3 أشهر، متهمة إياها بـ”جمع بيانات حساسة دون الحصول على إذن مسبق”.

ويأتي هذا القرار في سياق حملة أوسع شنتها الحكومة على منظمات غير حكومية، إذ مُنعت 21 منظمة من العمل، وتم تعليق نشاط 10 جمعيات أخرى مؤقتا، في ظل قانون جديد صدر منتصف يوليو/تموز يفرض قيودا صارمة على عمل الجمعيات الأجنبية.

وفي تعليقها على الحادثة، اعتبرت “إنسو” أن الكشف الإعلامي عن توقيف مديرها “غير مناسب”، وقد يعرقل جهودها لحل الأزمة عبر الحوار مع السلطات.

سياق إقليمي متوتر

تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التوتر بين بوركينا فاسو وبعض القوى الغربية، وعلى رأسها فرنسا، التي كانت حليفة تقليدية للبلاد في مكافحة الجماعات المسلحة.

ففي العام الماضي، طالبت الحكومة العسكرية -بقيادة النقيب إبراهيم تراوري- بانسحاب القوات الفرنسية، كما طردت عددا من الدبلوماسيين الفرنسيين.

وفي حادثة مشابهة، احتجزت السلطات 4 موظفين تابعين لجهاز الاستخبارات الفرنسي بتهمة التجسس، قبل أن يُفرج عنهم في ديسمبر/كانون الأول 2024 بوساطة مغربية.

رئيس المرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (رويترز)

مستقبل المنظمات الإنسانية

يرى مراقبون أن طبيعة عمل “إنسو”، التي تعتمد على جمع وتحليل المعلومات الأمنية، قد تبدو مثيرة للريبة في نظر السلطات، خاصة في ظل تصاعد الخطاب الرسمي حول “محاولات زعزعة الاستقرار”.

ويخشى كثيرون من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تقويض عمل المنظمات الإنسانية في منطقة الساحل، حيث تتفاقم الأزمات الأمنية والإنسانية.

في ظل غياب تعليق رسمي، تبقى قضية المواطن الفرنسي المحتجز مؤشرا على تغيرات أعمق في العلاقة بين السلطات العسكرية والمنظمات الدولية، وعلى تحول في سياسة بوركينا فاسو تجاه الفاعلين الخارجيين في مرحلة ما بعد القطيعة مع باريس.

شاركها.