شهدت بورصة شنغهاي قفزة ملحوظة في أسهم شركة “مور ثريدز تكنولوجي” (More Threads Technology)، إحدى الشركات الصينية الرائدة في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي، وذلك في أول تداول لها بعد جمع 8 مليارات يوان (حوالي 1.13 مليار دولار أمريكي) من خلال طرح عام أولي ناجح. يعكس هذا الأداء القوي التفاؤل المتزايد بشأن سعي الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، خاصةً في ظل التحديات التجارية والقيود المحتملة من الولايات المتحدة.
ارتفع سعر السهم بنسبة غير مسبوقة بلغت 469% بعد الطرح الأولي، حيث تم تحديده عند 114.28 يوان للسهم الواحد. وقد حظي هذا الطرح العام الأولي بإقبال هائل من المستثمرين، حيث تجاوزت طلبات الاكتتاب للأفراد 2750 مرة، حتى بعد تقليص حصة الأفراد في الطرح، مما يجعله ثاني أكبر طرح أولي محلي بقيمة تتجاوز المليار دولار منذ عام 2022، وفقًا لبيانات بلومبرغ.
صعود نجم رقائق الذكاء الاصطناعي الصينية
يأتي طرح “مور ثريدز” في وقت تشهد فيه الصين تحولاً استراتيجياً نحو تعزيز قدراتها التكنولوجية، وتقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية. يشمل هذا التحول دعم الشركات المحلية الناشئة في قطاعات حيوية مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي. وقد ساهم في ذلك أيضاً التغييرات الأخيرة في لوائح الإدراج في بورصة “ستار بورد” (STAR board) والتي تسمح الآن بإدراج الشركات غير الربحية، بهدف تشجيع الاستثمار في الابتكار.
تستفيد الشركة بشكل مباشر من الفراغ الذي أحدثه خروج شركة “إنفيديا” (NVIDIA) من السوق الصيني بسبب القيود الأمريكية. تُعد “مور ثريدز” حالياً الشركة الصينية الوحيدة القادرة على إنتاج وحدات معالجة رسومية متعددة الاستخدامات، مما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة في السوق المحلية.
تمويل المشاريع المستقبلية
تخطط شركة “مور ثريدز” لاستخدام الأموال التي جمعتها من الطرح العام الأولي في تمويل مشاريع الجيل التالي من رقائق الذكاء الاصطناعي وتطوير الرسوميات، بالإضافة إلى تعزيز رأس المال العامل لدعم عملياتها المتوسعة. يأتي هذا الطرح بعد طرح شركة “هوانديان نيو إنرجي” (Huandian New Energy) الذي بلغت قيمته 2.7 مليار دولار في يوليو الماضي، مما يشير إلى استمرار الاهتمام بالاستثمار في قطاع التكنولوجيا المتقدمة في الصين.
على الرغم من هذه القفزة الإيجابية، تشير البيانات المالية للشركة إلى بعض التحديات. فقد سجلت “مور ثريدز” خسائر صافية قدرها 724 مليون يوان خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 19% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ومع ذلك، شهدت إيرادات الشركة نموًا كبيرًا بنسبة 182% لتصل إلى 780 مليون يوان.
ومع ذلك، يظل تقييم الشركة مرتفعًا للغاية، حيث بلغ مضاعف السعر إلى المبيعات 123 مرة عند سعر الطرح، مقارنة بمتوسط 111 مرة للشركات المماثلة. وقد طلبت الشركة مؤخرًا من المستشار المالي الرئيسي تذكير المستثمرين بالمخاطر المرتبطة بهذا التقييم المرتفع.
من إنفيديا إلى ريادة محلية في مجال أشباه الموصلات
تأسست شركة “مور ثريدز” في عام 2020 على يد تشانغ جيانتشونغ، وهو المدير التنفيذي السابق لشركة “إنفيديا”. في البداية، ركزت الشركة على إنتاج رقائق معالجة الرسومات للألعاب والتصوير. لكنها سرعان ما وسعت نطاق عملها ليشمل تطوير مسرعات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في تشغيل النماذج اللغوية الكبيرة وتقنيات التعلم الآلي.
واجهت الشركة بعض العقبات في أكتوبر 2023، عندما أدرجتها وزارة التجارة الأمريكية على قائمة الكيانات المحظورة، مما أدى إلى تقييد قدرتها على الحصول على التقنيات الأمريكية. استجابت الشركة لهذه الإجراءات من خلال تسريح بعض الموظفين وإعادة هيكلة عملياتها، لكنها تمكنت من استعادة الزخم الاستثماري بفضل الدعم الحكومي المتزايد لقطاع التكنولوجيا.
أظهر مؤشر “ستار 50″، الذي يتتبع أداء أكبر الشركات المدرجة في بورصة “ستار بورد”، نموًا ملحوظًا بنسبة 34% خلال العام الجاري. كما تضاعفت أسهم شركة “كامبريكون” (Cambricon)، المتخصصة في تصميم الرقائق، مما يشير إلى الثقة المتزايدة في مستقبل الشركات الصينية في مجال أشباه الموصلات.
توقعات لزيادة الطروحات الأولية في قطاع التكنولوجيا
من المتوقع أن يمهد طرح “مور ثريدز” الناجح الطريق أمام المزيد من الطروحات الأولية للشركات الصينية في قطاع التكنولوجيا. تفتح شركة “ميتا إكس إنتغريتد سيركيتس شنغهاي” (MetaX Integrated Circuits Shanghai)، وهي منافسة رئيسية لـ “مور ثريدز”، باب الاكتتاب العام في طرحها يوم الجمعة القادم. بالإضافة إلى ذلك، تدرس شركتا تصنيع الرقائق “يانغتسي ميموري” (Yangtze Memory) و “تشانغ شين ميموري” (Changxin Memory) طرحين أوليين محليين قد يرفعان من قيمتهما السوقية إلى 300 مليار يوان لكل منهما.
يرى تشن زونده، مدير صندوق في “غوانغدونغ فند إنفستمنت” (Guangdong Fund Investment)، أن الأداء القوي لطرح “مور ثريدز” يعكس ضعف المعنويات العامة في السوق، وهو ما يفسر القفزة الكبيرة في سعر السهم في أول جلسة تداول. ومع ذلك، أشار إلى مخاوف بشأن احتمال استنزاف الطرح للسيولة المتاحة للشركات المنافسة، مما قد يزيد من الضغوط على السوق بشكل عام. من المهم متابعة أداء هذه الشركات الأخرى و تقييم تأثير “مور ثريدز” على المنافسة في قطاع بناء الرقائق في الأسابيع والأشهر القادمة.




