كشف تقرير حديث صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عن زيادة ملحوظة في القدرات النووية الصينية، حيث تشير التقديرات إلى امتلاك الصين أكثر من 500 رأس نووي. ويسلط التقرير الضوء على التوسع السريع في ترسانة الصين النووية، مما يثير تساؤلات حول الاستقرار الاستراتيجي العالمي. ويأتي هذا في ظل تزايد التوترات الجيوسياسية وتطورات تكنولوجية جديدة في مجال الأسلحة.
أفاد البنتاجون أن بكين تواصل تطوير وتوسيع قدراتها النووية بشكل منهجي، بما في ذلك نشر صواريخ باليستية عابرة للقارات (ICBMs) في مواقع جديدة. ويشير التقرير إلى أن هذا التوسع يتجاوز ما هو ضروري للردع النووي، مما يثير مخاوف بشأن النوايا الاستراتيجية للصين.
تطور القدرات النووية الصينية: نظرة عامة
لطالما اتبعت الصين سياسة نووية تقوم على مبدأ “الضربة الثانية المؤكدة”، والتي تهدف إلى امتلاك القدرة على الرد على أي هجوم نووي. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن بكين بدأت في التحول نحو استراتيجية أكثر طموحًا، تتضمن زيادة حجم ترسانتها النووية وتطوير قدرات جديدة، مثل الصواريخ التي يمكنها حمل رؤوس نووية متعددة.
وفقًا للتقرير، قامت الصين بتحميل ما لا يقل عن 100 صاروخ باليستي عابر للقارات في ثلاثة مواقع إطلاق حديثة. ويعكس هذا التوسع السريع التزام الصين بتحديث قواتها النووية، مما قد يؤدي إلى تغيير ميزان القوى الاستراتيجي العالمي.
الخلفية التاريخية والتحول الاستراتيجي
على مدى عقود، حافظت الصين على ترسانة نووية صغيرة نسبيًا مقارنة بالولايات المتحدة وروسيا. ويرجع ذلك جزئيًا إلى تركيزها على التنمية الاقتصادية والاعتقاد بأن الردع النووي يمكن تحقيقه من خلال عدد محدود من الأسلحة. ومع ذلك، مع صعود الصين كقوة عالمية، بدأت في إعادة تقييم سياستها النووية.
يؤكد التقرير أن الصين تسعى الآن إلى تحقيق “تكافؤ استراتيجي” مع القوى العظمى الأخرى. ويشير إلى أن بكين تخطط لامتلاك ما يزيد على 1000 رأس نووي بحلول عام 2030، مما يمثل زيادة كبيرة في قدراتها النووية. ويعزى هذا التوسع إلى عدة عوامل، بما في ذلك التطورات التكنولوجية العسكرية الأمريكية والبيئة الأمنية المتغيرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
الأهمية والتأثير على الاستقرار العالمي
يثير التوسع النووي الصيني قلقًا متزايدًا بين القوى الكبرى الأخرى. فمن ناحية، قد يؤدي إلى سباق تسلح إقليمي، حيث تسعى دول مثل الهند واليابان إلى تعزيز قدراتها الدفاعية ردًا على التهديد الصيني المتزايد. ومن ناحية أخرى، قد يزيد من خطر سوء التقدير والصراع النووي في حالة حدوث أزمة.
بالإضافة إلى ذلك، يأتي هذا التقرير في وقت حرج بالنسبة للحد من التسلح النووي. حيث تقترب معاهدة “نيو ستارت” بين الولايات المتحدة وروسيا من الانتهاء، ولا توجد مؤشرات على أن الصين ستنضم إلى أي محادثات للحد من التسلح. وهذا يثير مخاوف بشأن مستقبل النظام العالمي للحد من الأسلحة النووية.
تداعيات محتملة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ
قد يؤدي التوسع النووي الصيني إلى زيادة التوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تتنافس الصين مع الولايات المتحدة ودول أخرى على النفوذ. وقد يدفع هذا دولًا مثل أستراليا وكوريا الجنوبية إلى إعادة تقييم تحالفاتها الأمنية والاستثمار في قدراتها الدفاعية.
موقف الصين الرسمي
تؤكد الصين باستمرار أن سياستها النووية دفاعية بحتة وأنها ملتزمة بمبدأ “عدم البدء بالاستخدام”. وتجادل بأن تحديث قدراتها النووية ضروري لضمان فعالية ردعها في مواجهة التهديدات المتزايدة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية. وتنتقد بكين التقارير التي تتهمها بالتوسع النووي، وتصفها بأنها محاولات لتشويه سمعتها وتقويض مصالحها.
وفي تصريحات رسمية، دعت الصين إلى الحوار والتعاون في مجال الحد من التسلح النووي، لكنها ترفض الانضمام إلى أي محادثات متعددة الأطراف تشمل الولايات المتحدة وروسيا. وتصر على أن أي اتفاقية للحد من التسلح يجب أن تأخذ في الاعتبار الظروف الأمنية الفريدة لكل دولة.
من المتوقع أن يستمر البنتاجون في مراقبة التطورات في البرنامج النووي الصيني عن كثب. وستصدر تقارير مستقبلية تقديرات محدثة حول حجم وقدرات الترسانة النووية الصينية. في غضون ذلك، من المرجح أن تظل هذه القضية مصدرًا رئيسيًا للتوتر بين الصين والولايات المتحدة، وستتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة لتجنب التصعيد والحفاظ على الاستقرار العالمي. يبقى مستقبل معاهدة “نيو ستارت” والجهود الأوسع للحد من التسلح النووي غير مؤكدًا، مما يزيد من أهمية الحوار المستمر بين جميع القوى النووية.






