وصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى جنوب شرق آسيا حاملاً مجموعة من اتفاقات تجارية وصفها مكتبه بأنها “تاريخية”، إلا أن تفاصيلها الدقيقة تكشف عن تفاهمات غير متوازنة وتشوبها الكثير من الغموض.
ففي سلسلة تحركات سريعة عقب هبوطه في العاصمة الماليزية كوالالمبور يوم الأحد، كشف ترمب عن اتفاقات تجارية مع ماليزيا وكمبوديا، إلى جانب أطر مبدئية لاتفاقات مع تايلندا وفيتنام.
مكاسب واضحة لواشنطن وغموض بشأن دول المنطقة
توفر الاتفاقات لترمب انتصارات سياسية واقتصادية واضحة، أبرزها إزالة العديد من الحواجز الجمركية وغير الجمركية أمام صادرات الولايات المتحدة إلى تلك الدول، إضافة إلى تعهدات بإنفاق مليارات الدولارات على السلع الأميركية.
لكن المكاسب التي ستجنيها الدول الأربع لم تكن بالوضوح نفسه. إذ فشلت في الحصول على معدلات رسوم أقل من نسبة 19% إلى 20% التي فرضها ترمب بداية، ورغم أن بعض صادرات كمبوديا وماليزيا ستُعفى من الرسوم، فإن الفئات المستفيدة من الإعفاءات محدودة للغاية.
وكتب محللا “بلومبرغ إيكونوميكس”، تمارا هندرسون وآدم فارار، في مذكرة: إن “هذه الاتفاقات أحادية الجانب تحمل كلفة واضحة ومنافع غامضة لجنوب شرق آسيا. فهي تبدو مصممة لتقليص الرسوم والقيود على السلع الأميركية الداخلة إلى المنطقة، ما يشكل تهديداً للصناعات المحلية التي تعاني أساساً من ضغوط الرسوم الأميركية الواسعة”.
تقديرات محدودة الأثر على الاقتصاد الماليزي
قدّر بنك “باركليز” أن الإعفاءات الجمركية الممنوحة لماليزيا تنطبق على صادرات بنحو 12 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، أي ما يعادل 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن نحو 11 مليار دولار من هذا المبلغ خاضع لقيود، ما يعني أن ما لا يتجاوز مليار دولار فقط، أي 0.2% من الناتج المحلي، سيحصل على إعفاء كامل من الرسوم.
وكتب خبراء الاقتصاد في “باركليز” بقيادة براين تان أنه “رغم أن قائمة المنتجات الماليزية التي ستُعفى من الرسوم المتبادلة تبدو كبيرة، فإن معظمها يخضع لقيود، وبالتالي فإن الأثر الإيجابي الفعلي سيكون محدوداً نسبياً”.
ارتفعت سوق الأسهم الماليزية يوم الإثنين بنسبة 0.3%، وهي مكاسب متواضعة مقارنة بالأسواق الآسيوية الكبرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية، ما يشير إلى أن المستثمرين كانوا قد سعّروا مسبقاً هذه الاتفاقات. كما صعد الرينغيت الماليزي بنسبة 0.2% مقابل الدولار الأميركي.
التزامات ضخمة ومخاوف من اختلال التوازن
إلى جانب خفض الرسوم، شملت الاتفاقات تعهدات من الشركات الآسيوية بشراء سلع ومنتجات أميركية بنحو 150 مليار دولار، تشمل أشباه الموصلات ومعدات مراكز البيانات والطيران.
وقالت ديبورا إلمز، رئيسة سياسات التجارة في “مؤسسة هينريش” وهي منظمة خيرية في سنغافورة إن “الأطراف المقابلة توافق على القيام بأشياء صعبة للغاية، من إزالة الرسوم على السلع الأميركية إلى التوافق على سياسات أميركية واسعة قد تشمل كل شيء وأي شيء”.
وأضافت متسائلة: “وفي المقابل، ما الذي ستحصل عليه هذه الدول؟ هذا هو اللغز الحقيقي”.
اتفاقات في ظل الرسوم مع الصين
تأتي هذه الصفقات بينما تظل الرسوم الجمركية الأميركية على الصين قائمة، وقبيل لقاء ترمب المرتقب يوم الخميس مع نظيره الصيني شي جين بينغ.
وتُعد هذه الاتفاقات ذات أهمية خاصة لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي تضم 11 دولة، إذ أصبحت الكتلة مصدّراً للسلع إلى الولايات المتحدة يفوق الصين، رغم أن الناتج المحلي الإجمالي للصين يزيد أكثر من أربعة أضعاف على نظيره في آسيان.
وتُعد فيتنام أكبر مساهم في الصادرات الإقليمية، إذ شكلت نحو 18 مليار دولار من أصل 41 مليار دولار من صادرات المنطقة إلى الولايات المتحدة في يوليو، وهو أحدث شهر تتوفر عنه بيانات.
وقالت ترينه نغوين، كبيرة الاقتصاديين في “ناتيكسيس”: “لا تزال التفاصيل غير واضحة، مثل السلع التي ستحصل فيتنام على إعفاءات خاصة بشأنها أو قواعد إعادة التوجيه. لكن الأهم أن هناك اتفاقاً، وأن فيتنام الآن لاعب رئيسي في التجارة مع الولايات المتحدة على المدى الطويل، رغم تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين”.
تساؤلات حول السلع المعاد تصديرها وقيود غير محسومة
قال جيمسون غرير، الممثل التجاري الأميركي، إن بعض الإعفاءات على صادرات مثل القهوة “منطقية لمنحهم صفقة جيدة في ما لا يُنتج داخل الولايات المتحدة”.
لكن تبقى مسألة السلع المعاد تصديرها غير محسومة، إذ لم يتضح بعد كيف ستحدد واشنطن هذه السلع التي ستخضع لرسوم بنسبة 40%، وما إذا كانت هذه الرسوم ستُضاف إلى المعدلات الحالية.
ويُفترض أن تهدف هذه الرسوم العقابية إلى منع إعادة توجيه السلع الصينية عبر دول أخرى لتفادي الرسوم الأميركية المرتفعة، لكن غياب التفاصيل أثار قلقاً بين المصنعين والسلطات المحلية. وأوضح وزير التجارة الماليزي زافرول عزيز في مؤتمر صحفي يوم الأحد، أن المسألة لم تُحسم بعد.
أما نائب رئيس الوزراء الكمبودي سون تشانثول فقال إن بلاده “راضية عن الصفقة” لكنها تأمل في إعفاءات تشمل الملابس والأحذية، التي تمثل نحو 50% من صادراتها.
من جهتها، أشارت وزيرة التجارة التايلندية سوباجي سوتامبون إلى أن الإطار التعاقدي غير ملزم، وأن المفاوضات التفصيلية ستستمر بهدف إتمامها بنهاية العام.
وقال الوزير الماليزي زافرول إن الاتفاق يمنح بلاده نفاذاً أفضل إلى الأسواق الأميركية، مع إعفاءات تشمل زيت النخيل والكاكاو والمنتجات الدوائية، فيما أشار رئيس الوزراء أنور إبراهيم إلى أن واشنطن أبدت استعداداً لمناقشة رسوم أشباه الموصلات.
واختتم أنور قائلاً: “النتائج فاقت توقعاتي، هناك ثقة وصداقة والتزام بتعزيز العلاقات”.






