تتصاعد التوترات في منطقة البحر الكاريبي مع تزايد الضغوط العسكرية الأمريكية على فنزويلا، بالتزامن مع دعم إيران المستمر لنظام الرئيس نيكولاس مادورو. يأتي هذا الدعم في وقت تعتبر فيه واشنطن فنزويلا نقطة انطلاق لعمليات تهريب المخدرات والجريمة المنظمة، وتشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي. وتُظهر التطورات الأخيرة تحالفًا استراتيجيًا متزايدًا بين إيران وفنزويلا، ما يثير قلقًا واسعًا في الأوساط السياسية والأمنية.

دعم إيران لنظام مادورو وتداعياته على الأمن الإقليمي

أدانت إيران مؤخرًا الإجراءات الأمريكية في المنطقة، واصفةً إياها بأنها “خطيرة” وتهدد “السلام والأمن الدوليين”، وذلك وفقًا لما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إيرنا). وقد أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية عن “تضامنها” مع فنزويلا، مما يعكس رغبتها في الحفاظ على نفوذها في أمريكا اللاتينية. وقد رحب وزير الخارجية الفنزويلي، إيفان خيل بينتو، بـ”التضامن” الإيراني مع الشعب الفنزويلي، كما أفادت وكالة الأنباء طهران تايمز.

الخلفية السياسية والأمنية

يأتي دعم إيران لفنزويلا في ظل سعي الولايات المتحدة إلى إضعاف نظام مادورو، الذي تتهمه بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب. وقد كثفت واشنطن من العقوبات المفروضة على فنزويلا، بالإضافة إلى الضغوط العسكرية المتزايدة. تعتبر الولايات المتحدة أن فنزويلا أصبحت مركزًا لعمليات عصابات المخدرات، بما في ذلك ما يُعرف بـ”كارتل الشمس” (Cartel de los Soles)، وهو كارتل مرتبط بالنظام الفنزويلي.

يعتقد خبراء أن هذا التحالف بين إيران وفنزويلا ليس قائمًا على مبادئ، بل هو استراتيجية محسوبة تخدم مصالح مشتركة في مجال الجريمة والحرب غير المتكافئة. ووفقًا لإيزاياس ميدينا الثالث، دبلوماسي فنزويلي سابق لدى الأمم المتحدة استقال عام 2017 بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، فإن الشراكة بين إيران والنظام الفنزويلي تمثل “تهديدًا مباشرًا ومتطورًا للأمن القومي الأمريكي”.

الأهداف الإيرانية من دعم فنزويلا

يرى داني سيترينوفيتش، الباحث في معهد الدراسات الأمنية القومية في إسرائيل، أن الدفاع العلني الإيراني عن فنزويلا يعكس قلقًا استراتيجيًا عميقًا داخل طهران. ويقول إن إيران “قلقة للغاية من أنها ستفقد مركزها الرئيسي في أمريكا اللاتينية”. فقدان مادورو سيكون خسارة استراتيجية لإيران، لأن فنزويلا تعتبر مركزًا استراتيجيًا ليس فقط للأنشطة في فنزويلا نفسها، ولكن أيضًا للأنشطة في أمريكا اللاتينية بشكل عام.

وتشير التقارير إلى أن إيران تستخدم الأراضي الفنزويلية كمنصة لعملياتها في المنطقة، بما في ذلك محاولة اغتيال فاشلة لسفير إسرائيل في المكسيك، والتي ربطتها السلطات المكسيكية بعناصر مرتبطة بفيلق القدس الإيراني. وتستخدم إيران وجودها في فنزويلا لتوسيع نفوذها في القارة اللاتينية، بالإضافة إلى تقديم الدعم العسكري والاستشاري للنظام الفنزويلي، وفقًا لسيترينوفيتش. وذكر أنه يمكن لإيران إرسال أسلحة إلى فنزويلا عبر رحلات جوية تقوم بها شركة Qeshm Fars Air.

يُذكر أن فنزويلا لطالما كانت أهم موطئ قدم لإيران في المنطقة، حيث توفر لها مساحة للعمليات. وفقدت إيران بالفعل حليفًا قديمًا في المنطقة بعد الانتخابات الأخيرة في بوليفيا، ولا تزال الشركاء الرئيسيون هم فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، لكن فنزويلا كانت تاريخيًا واستراتيجيًا الأكثر أهمية.

الضربات الأمريكية و ردود الفعل

في إطار حملتها لمواجهة شبكات الجريمة المرتبطة بفنزويلا، أطلقت الولايات المتحدة منذ سبتمبر ما لا يقل عن 21 ضربة أسفرت عن تدمير قوارب يُزعم أنها متورطة في تهريب المخدرات قبالة سواحل أمريكا الوسطى والجنوبية. وقالت واشنطن إن هذه العمليات تهدف إلى تعطيل الطرق البحرية التي تستخدمها هذه الشبكات. وقد أدت هذه الإجراءات إلى إدانة من قبل النظام الفنزويلي.

وفي رد فعل على هذه التطورات، رحبت منظمة “العائلات الأمريكية ضد إرهاب الكارتل” (AmFACT) بتصنيف وزارة الخارجية الأمريكية لـ”كارتل الشمس” كمنظمة إرهابية أجنبية. ترى أدريانا جونز، رئيسة المنظمة، أن هذا التصنيف يدل على تصميم واشنطن على مكافحة عصابات المخدرات والإرهاب، ودعت إلى توسيع هذا التصنيف ليشمل كارتل خواريز (Juárez Cartel) وجناحه المسلح “لا لينا” (La Línea).

من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على نظام مادورو، وتكثيف جهودها لمكافحة تهريب المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة في المنطقة. في المقابل، من المرجح أن تواصل إيران دعمها لنظام مادورو، سعياً منها للحفاظ على نفوذها في أمريكا اللاتينية. يبقى التطور المستقبلي للعلاقات بين هذه الأطراف الثلاثة، والتأثير المحتمل على الأمن الإقليمي، مسألة تستدعي المتابعة الدقيقة.

شاركها.