تركنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وأرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح لنا في الدنيا والآخرة، ونهانا عن كل ما يعرضنا لغضب الله سبحانه وتعالى.

وجعل الإسلام حقوق العباد مصونة، وحفظ المال هو أحد الضروريات الخمس، بجانب حفظ الدين والنفس والعقل والعرض، بل جعل قبول التوبة مشروطًا بالوفاء بحقوق الناس؛ فالمماطلة والتسويف في رد الحقوق- وبخاصة للقادر على سدادها يعد من أكل أموال الناس بالباطل وهو مما نهى اللَّه عنه، وشدَّد الشرع الشريف على حرمته؛ فقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام : دمهُ، ومالهُ، وعرضهُ»[رواه مسلم].

وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ». صحيح البخاري.

-(فمن أخذ أموال الناس) بوجه من وجوه التعامل أو للحفظ أو لغير ذلك كقرض أو غيره، لكنه (يريد أداءها) (أدى الله عنه) أي يسر الله له ذلك بإعانته وتوسيع رزقه.

-(ومن أخذ) أي أموالهم (يريد إتلافها) على أصحابها بصدقة أو غيرها (أتلفه الله) يعني أتلف أمواله في الدنيا بكثرة المحن والمغارم والمصائب ومحق البركة.

وجاء حديث هذا الباب خالصاً للجانب القلبي لأنه خاص بإرادة الرد أو قصد إتلاف ولأن مدار الأعمال في الإسلام محلها النية فقد وعد الله تعالي من اقترض مالاً أو دينا ويكون عازمًا على القيام بسداده ورده إلى من أخذه منه بأن يتولي الله معونته، وييسر له أمره، أما من مات قبل الوفاء بدينه دون تقصير منه فلا تبعة في الآخرة على من مات قبل الوفاء بغير تقصير، بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين بل الله يتكفل عنه ويرضي صاحبه، فضلا وتكرما عليه لحسن نيته وعزمه على الوفاء.

وما يؤخذ من الحديث: الحض على حسن التأدية لأموال الناس عند المداينة والتحذير من أكلها بالباطل، وأنه على النية تدور الأعمال شرعًا لا على المظهر والصورة، ومن حسنت نيته أمده الله تعالي بعظيم العون والرعاية، ومن ساءت نيته عرض نفسه لحرب شديد من الله وعقوبه، وأن الجزاء من جنس العمل، وعدم التحرج من الدين لمن ينوي الوفاء.

ونظمت الشريعة الإسلامية المعاملات بين الناس، ووضعت الضوابط المالية للحفاظ على الحقوق، والتي شملتها «آية الدَّين أو آية المداينة» أطول آية في القرآن الكريم من حيث عدد الحروف والكلمات من كتابة للدَّين وتحديد أجله والاشهاد عليه، ضمانًا للحقوق وحرصًا على مصلحة الفرد والمجتمع.

والتهرب والمماطلة في رد الحقوق لاستحلال أموال الناس حرام شرعا، ويزيد صاحبه إثمًا لأكله أموال الناس بالبطال، ولقد علمنا الإسلام المسارعة في أداء الحقوق إلى أهلها وعدم المماطلة والتسويف متى وجد الإنسان الفرصة وتمكن من أداء دَّينه؛ فلا ينبغي له التأخير في السداد لأنه لا يدري فقد لا يتمكن بعد ذلك فيكون مضيعًا لحق غيره.

ولقد حذرنا الشرع من التهاون في أداء حقوق الناس، وخاصة قضاء الدين؛ حتى لا يأتي الأنسان أجله وفي ذمته دينٌ لأحدٍ فيعلق به؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «نفس المؤمن معلقةٌ بدَّينه حتى يقضى عنه» [صحيح الترمذي وابن ماجه]، أي: حتى يسدد عنه دَّينه، فينبغي على المدين أن يبرئ ذمته من الدَّين المستحق عليه؛ فيجب علينا المسارعة في أداء الحقوق إلى أهلها دون مماطلة أو تسويف.

شاركها.