يمثل “إعلان الصخير” الصادر عن القمة الخليجية الثالثة والثلاثين في البحرين عام 2012، علامة فارقة في مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث أكد بشكل قاطع مبدأ الأمن الجماعي. أكد الإعلان أن أي تهديد لأمن واستقرار إحدى الدول الأعضاء يُعد تهديدًا مباشرًا لجميع دول المجلس، مما يعكس التزامًا عميقًا بالوحدة والتصدي للتحديات الإقليمية. هذا الالتزام بالأمن الجماعي لا يزال يشكل حجر الزاوية في السياسات الخليجية حتى اليوم.

أهمية إعلان الصخير في تعزيز الأمن الإقليمي

عُقدت القمة في قصر الصخير في ديسمبر 2012، في سياق جيوسياسي معقد، شهد توترات متزايدة في منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث الربيع العربي. جاء الإعلان استجابةً لهذه الأحداث، ورغبة في تعزيز التعاون والتكامل بين دول المجلس. وكان الدافع وراءه، كما أشار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، الانتقال من مجرد التعاون إلى تحقيق اتحاد أوثق.

ركز الإعلان بشكل أساسي على تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس، وتقوية دور قوات “درع الجزيرة” كآلية عسكرية سريعة التدخل لحماية المنطقة. تهدف هذه القوات إلى الحفاظ على الاستقرار ومنع أي تدخل خارجي يهدد سيادة الدول الأعضاء.

التكامل الاقتصادي كجزء من الأمن الشامل

لم يقتصر “إعلان الصخير” على الجوانب العسكرية والأمنية، بل شدد أيضًا على أهمية تسريع وتيرة التكامل الاقتصادي بين الدول الخليجية. تضمنت هذه الخطط إكمال السوق الخليجية المشتركة وتوحيد الإجراءات الجمركية، إدراكًا بأن الازدهار الاقتصادي هو عنصر أساسي للاستقرار السياسي والاجتماعي. مجلس التعاون لدول الخليج العربية يواصل العمل على تحقيق هذه الأهداف الاقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، سلط الإعلان الضوء على أهمية تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة. يمثل هذا التوجه جزءًا من رؤية أوسع تهدف إلى بناء اقتصادات خليجية قوية ومستقلة.

رسائل سياسية واضحة من قمة الصخير

حمل الإعلان رسائل قوية ومباشرة إلى المجتمع الدولي، مؤكدًا رفض دول المجلس لأي شكل من أشكال التدخل في شؤونها الداخلية. وقد أكدت الدول الأعضاء على حقها في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للحفاظ على أمنها واستقرارها. هذه الرسالة جاءت في وقت كانت فيه بعض القوى الإقليمية والدولية تسعى للتدخل في الشأن الخليجي.

وعلى صعيد القضايا العربية، أكد “إعلان الصخير” على التزام دول المجلس بدعم القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كما شدد على ضرورة العمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في جميع أنحاء المنطقة. تستمر الدول الخليجية في تقديم الدعم السياسي والاقتصادي للقضايا العربية.

أظهر الإعلان أيضًا حرصًا على بناء شراكات استراتيجية متوازنة مع مختلف دول العالم، بما يخدم مصالح دول المجلس ويعزز دورها الإقليمي والدولي. كان الهدف هو تحقيق التوازن في العلاقات الخارجية وتعزيز مصالح المنطقة على الساحة الدولية، مع التركيز على التعاون الدولي في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب.

مستقبل العمل الخليجي المشترك

بعد مرور أكثر من عقد على إصدار “إعلان الصخير”، لا يزال هذا الإعلان يمثل مرجعًا أساسيًا للعمل الخليجي المشترك. ومع ذلك، فإن التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة تتطلب مزيدًا من التعاون والتنسيق بين دول المجلس. يتوقع مراقبون استمرار الجهود الرامية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي والعسكري، وتطوير آليات جديدة لمواجهة التهديدات الأمنية المتغيرة. من المتوقع أن يناقش قادة دول الخليج هذه القضايا في قمم مستقبلية وتحديد خطوات عملية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار التحديات السياسية الراهنة.

شاركها.