أعلنت الهيئة العامة للغذاء والدواء عن إصدار إطار تنظيمي جديد يهدف إلى تنظيم استخدام بيانات وبراهين العالم الحقيقي «Real-World Data & Real-World Evidence – RWD/RWE» في دعم قرارات تسجيل الأدوية الجديدة وتقييم فعاليتها وسلامتها، في خطوة تهدف إلى تطوير المنظومة الرقابية وتعزيز الشفافية في الإجراءات التنظيمية.
وأوضحت الهيئة أن هذا الإطار الذي طرحته عبر منصة استطلاع يسعى إلى طرح مفاهيم عامة وأساسية حول بيانات العالم الحقيقي والأدلة المستخلصة منها، بهدف تمكين الجهات التنظيمية من الاستفادة منها في دعم قرارات التسجيل والترخيص والادعاءات الطبية، كما يسهم الإطار في تطوير المنظومة الرقابية وتعزيز الثقة بين الهيئة وأصحاب المصلحة من مصنّعين، ومقدمي الرعاية الصحية، والباحثين.

تحديد المفاهيم والتحديات التنظيمية

يتناول الإطار تعريفًا واضحًا لمصطلحي البيانات الواقعية «RWD» والأدلة الواقعية «RWE»، إلى جانب التحديات المرتبطة بهما مثل جودة البيانات، ومشكلات التحيّز، والعوامل المربكة «Confounding» كما يوضح الإطار وجهة نظر الهيئة بشأن البيئة التنظيمية الملائمة، ويطرح مبادرات مستقبلية لتحسين الاستخدام الفعّال والموثوق لهذه البيانات ضمن النظام التنظيمي.

ما هي البيانات الواقعية والأدلة الواقعية؟

تُعرف البيانات الواقعية بأنها أي معلومات تُجمع بشكل روتيني من المرضى حول حالتهم الصحية أو الخدمات الصحية المقدمة لهم، بما يشمل السجلات الطبية، مطالبات التأمين، أو أجهزة القياس الذكية.
أما البيانات الواقعية الملائمة «Fit-for-purpose RWD» فهي التي تتمتع بالدقة والشمولية، وتلبي متطلبات العينة والإجابات الإكلينيكية المطلوبة.
وتنتج الأدلة الواقعية «RWE» من تحليل تلك البيانات الواقعية الملائمة، للإجابة على أسئلة طبية تتعلق بفعالية وسلامة المنتجات الدوائية أو اللقاحات، باستخدام أدوات تحليلية محددة تستند إلى منهجية علمية واضحة، مثل استخدام ما يُعرف ب ”الإستيماند“ لوصف الأثر العلاجي المرجو قياسه.

إطار تنظيمي جديد يعزّز كفاءة تسجيل الأدوية باستخدام بيانات المرضى

الفرق بين التجارب العشوائية وغير العشوائية

أوضح الإطار أن التجارب السريرية العشوائية «RCTs» تُعد النموذج الذهبي في البحوث الإكلينيكية، حيث يُوزع المشاركون عشوائيًا لتقليل التحيّز وضمان التوازن.
بينما تُستخدم التجارب غير العشوائية عند صعوبة تنفيذ التجارب العشوائية، إلا أنها تبقى أكثر عرضة للانحياز والعوامل المربكة، وهو ما يجعل الاعتماد على RWE مكملًا مهمًا لتلك الدراسات.

مصادر RWD وتصاميم RWE

وتشمل مصادر البيانات الواقعية التي تعتمد عليها الهيئة في إنتاج الأدلة الواقعية: السجلات الصحية الإلكترونية «EHRs»، بيانات مطالبات التأمين الطبي، السجلات المرضية، الأجهزة القابلة للارتداء، وتقارير المرضى الذاتية.
وتشمل تصاميم الدراسات المستخدمة في إنتاج الأدلة الواقعية مجموعة من النماذج البحثية التي تعكس الواقع الإكلينيكي، من أبرزها الدراسات الرصدية مثل دراسات الكوهورت ودراسات الحالات والشواهد، والتي تهدف إلى رصد وتفسير العلاقة بين العوامل الصحية والنتائج السريرية دون تدخل مباشر.
وتتضمن التصاميم محاكاة التجارب المستهدفة من خلال إعادة بناء تجارب سريرية افتراضية باستخدام البيانات الرصدية، والدراسات الهجينة التي تدمج بين عناصر التجارب التقليدية والبيانات الواقعية.
ويضاف إلى ذلك التجارب البراغماتية المصممة لقياس فعالية التدخلات ضمن بيئة العلاج الواقعية، إلى جانب الدراسات المعتمدة على السجلات التي تستند إلى قواعد بيانات مرضى طويلة الأمد لرصد تطور الحالات السريرية بمرور الوقت.

إطار تنظيمي جديد يعزّز كفاءة تسجيل الأدوية باستخدام بيانات المرضى

أهمية جودة البيانات وتقنيات الحد من التحيّز

أكدت الهيئة أن جودة البيانات تُعد عنصرًا حاسمًا في صلاحية استخدام الأدلة الواقعية، ويجب أن تكون البيانات حديثة، شاملة، متسقة، ومرتبطة بسؤال البحث السريري، ويدعم الإطار استخدام نماذج البيانات الموحدة «CDMs» التي تعزز من دقة البيانات واتساقها عبر مختلف المصادر.
يقدم الإطار مجموعة من الأدوات الإحصائية والتقنية لمعالجة التحيّز، منها التحليل الطبقي، النمذجة الإحصائية، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ال Propensity Score وتقنية hdPS، والتي تتيح تحسين تفسير النتائج المستخلصة من الدراسات الرصدية.

تطبيقات متعددة لبيانات العالم الحقيقي

سلّط الإطار التنظيمي الضوء على مجموعة من التطبيقات المحتملة لاستخدام بيانات وبراهين العالم الحقيقي في دعم النظام الرقابي، من أبرزها توليد الفرضيات العلمية لإعادة توجيه استخدام الأدوية الحالية نحو مؤشرات علاجية جديدة، وتعزيز الدراسات أحادية الذراع بإضافة مجموعات مقارنة خارجية لزيادة موثوقية النتائج.
يشمل الاستخدام تحسين قابلية نقل نتائج التجارب السريرية متعددة المناطق إلى الواقع المحلي من خلال تكييفها مع التركيبة السكانية المحلية، إلى جانب دعم الفرضيات القبلية في التحليل الإحصائي البايزي بما يسهم في تحديد الجرعات العلاجية أو أحجام العينات.
ويمتد التطبيق أيضًا إلى تحليل نتائج التجارب في فئات غير ممثلة بالشكل الكافي، مثل كبار السن والنساء والمرضى المصابين بأمراض نادرة، لتعزيز شمولية البيانات وتوسيع قاعدة المعرفة السريرية.
وأكدت هيئة الغذاء والدواء أن هذا الإطار يُعد نقلة نوعية في استخدام أدوات تقييم جديدة تستند إلى الواقع العملي، وليس فقط إلى التجارب السريرية، ويهدف إلى تعزيز الشفافية مع الجهات ذات العلاقة وتسهيل الوصول إلى الأدوية الآمنة والفعالة بشكل أسرع.
وأشارت الهيئة إلى أن تبني هذا النهج يعكس توجهات عالمية حديثة تسعى إلى دمج العلوم الواقعية ضمن النظام التنظيمي، ويضع المملكة في موقع متقدم في استخدام الأدلة الرقمية والبيانات السريرية لدعم الابتكار في قطاع الدواء.

شاركها.