يسعى بنك أوروغواي المركزي إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في الاقتصاد المحلي، وذلك من خلال سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز استخدام البيزو الأوروغواياني. تأتي هذه الخطوة في ظل نقاش عالمي متزايد حول مستقبل الدولار وهيمنته، ورغبة أوروغواي في تطوير أسواقها المالية المحلية وحماية مواطنيها من تقلبات أسعار الصرف. ومن المتوقع أن يكشف رئيس البنك المركزي، غيريرمو تولوسا، عن تفاصيل هذه السياسات في مؤتمر صحفي اليوم.
تعتبر أوروغواي من أكثر دول أمريكا اللاتينية ارتباطًا بالدولار الأمريكي، حيث تحتفظ غالبية كبيرة من الودائع المصرفية بالعملة الأمريكية. يعود هذا الاتجاه إلى فترات التضخم المرتفع وعدم الاستقرار الاقتصادي التي شهدتها البلاد في الماضي. ومع ذلك، يرى البنك المركزي أن هذا الاعتماد المفرط على الدولار يعيق النمو الاقتصادي ويضر بالقوة الشرائية للمواطنين.
لماذا تسعى أوروغواي إلى تقليل استخدام الدولار الأمريكي؟
تأتي مبادرة البنك المركزي في سياق استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي في أوروغواي. تشمل الإجراءات الأولية زيادة المتطلبات الرأسمالية للبنوك فيما يتعلق بالقروض المقومة بالدولار، وإلغاء بعض مستويات الاحتياطي الإلزامي للودائع بالبيزو. يهدف ذلك إلى تشجيع البنوك على تقديم المزيد من القروض بالعملة المحلية، وبالتالي زيادة الطلب على البيزو.
بالإضافة إلى ذلك، تدرس الحكومة إمكانية إلزام الشركات بتسعير البضائع والخدمات بالبيزو إلى جانب العملات الأجنبية. ويرى البنك المركزي أن هذا الإجراء سيساعد في زيادة شفافية الأسعار وتقليل الاعتماد على الدولار في المعاملات اليومية.
يؤكد تولوسا أن التمسك بالدولار الأمريكي يمثل نوعًا من “المقامرة” في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وأن الاستثمار بالبيزو المحلي يوفر استقرارًا أكبر على المدى الطويل.
التحديات التي تواجه عملية تقليل الدولرة
على الرغم من الجهود المبذولة، يواجه البنك المركزي تحديات كبيرة في إقناع الأوروغوايانيين بالتخلي عن الدولار. فقد ترسخ لدى الكثيرين الاعتقاد بأن الدولار هو ملاذ آمن يحافظ على قيمة مدخراتهم في ظل التضخم.
لذلك، يرى خبراء الاقتصاد أن نجاح هذه السياسة يعتمد بشكل كبير على قدرة البنك المركزي على تحقيق استقرار الأسعار وخفض معدل التضخم إلى مستويات مقبولة.
أشار ألدو ليما، خبير الاقتصاد في شركة “فيكسيون كونسلتوريس”، إلى أن أوروغواي كانت بطيئة في تبني سياسات تهدف إلى خفض التضخم، مقارنة بدول أخرى في المنطقة مثل بيرو. وأضاف أن تحقيق هدف تضخم أقل، عند 3% بدلًا من 4.5%، والدفاع عنه باستمرار هو أمر ضروري لكسب ثقة الجمهور في البيزو.
مستقبل الدولار الأمريكي في أمريكا اللاتينية
تأتي خطوة أوروغواي في وقت يشهد فيه الدولار الأمريكي منافسة متزايدة من عملات أخرى، وتزايد المخاوف بشأن العجز المالي والتوترات الجيوسياسية في الولايات المتحدة.
تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن حصة الدولار الأمريكي من احتياطيات البنوك المركزية العالمية قد انخفضت من حوالي 71% في بداية القرن إلى حوالي 59% في العام الماضي. كما انخفضت الأصول المقومة بالدولار في احتياطيات أوروغواي إلى 84% في سبتمبر الماضي، مقارنة بـ90% في مارس.
في المقابل، تتجه الأرجنتين نحو سياسة مختلفة تمامًا، حيث يسعى الرئيس خافيير ميلي إلى إضفاء الطابع الرسمي على استخدام الدولار الأمريكي في الاقتصاد الأرجنتيني، بل ويطرح إمكانية التخلي عن البيزو الأرجنتيني تمامًا.
هذا التباين في السياسات بين أوروغواي والأرجنتين يعكس اختلافًا في الأولويات والرؤى الاقتصادية للبلدين.
يرى مطور الإسكان فابيان كوبيل أن قطاع البناء سيستفيد من التسعير بالعملة المحلية باستخدام وحدة “مؤشر التسعير” المرتبطة بالتضخم، مما يحمي المطورين والمشترين من تقلبات الأسعار. ومع ذلك، يقر كوبيل بأن المستهلكين قد لا يكونون على دراية بهذه الوحدة، وأن جعلها إلزامية قد يكون ضروريًا لنجاحها.
من المتوقع أن يستمر البنك المركزي في جهوده لتطوير أسواق البيزو المحلية وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي خلال الفترة المقبلة. وسيتابع المراقبون عن كثب تطورات التضخم ومعدلات الفائدة، بالإضافة إلى ردود فعل البنوك والشركات والمستهلكين على هذه السياسات الجديدة.
يبقى من غير الواضح ما إذا كانت أوروغواي ستنجح في تحقيق هدفها المتمثل في تقليل الدولرة، ولكن من المؤكد أن هذه الخطوة تمثل تحولًا هامًا في السياسة الاقتصادية للبلاد، وتعكس نقاشًا أوسع حول مستقبل العملات الأجنبية ودورها في الاقتصاد العالمي.




