تصاعدت التوترات بين القادة الأوروبيين والإدارة الأمريكية بشأن خطة السلام المقترحة لأوكرانيا، حيث وصف القادة الأوروبيون الخطة الأمريكية التي تتضمن 28 نقطة بأنها “مسودة” تتطلب تعديلات جوهرية لتعكس مطالبهم ومصالحهم. يأتي هذا التطور في ختام أسبوع درامي من الدبلوماسية المكثفة، مع مخاوف أوروبية متزايدة بشأن مستقبل أوكرانيا وأمن القارة.

خطة السلام في أوكرانيا: تباين أوروبي أمريكي

عُقدت اجتماعات حاسمة بين القادة الأوروبيين وحلفائهم على هامش قمة مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا، بهدف حماية أوكرانيا من الضغوط المحتملة لقبول اتفاق سريع قد يعرضها لمزيد من العدوان الروسي. أكد مسؤول في الاتحاد الأوروبي لشبكة يورونيوز أن هناك “جهودًا دبلوماسية مكثفة” جارية قبل الموعد النهائي الذي وضعته الولايات المتحدة لقبول أو رفض الخطة المقترحة.

ويتزايد القلق في أوروبا من أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تسريع عملية التفاوض، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الأوكرانية والأمن الأوروبي. يواجه المفاوضون الأوروبيون ضغوطًا هائلة لتقديم بديل مقنع، لكنهم يخشون أيضًا من إغضاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يضغط من أجل التوصل إلى اتفاق سريع.

النقاط الرئيسية للخلاف

تركز المخاوف الأوروبية على ثلاثة أبعاد رئيسية: السيادة الأوكرانية، وسلامة الأراضي، وتعويضات الحرب التي تطالب بها أوكرانيا من روسيا. ترى القادة الأوروبيون أن تغيير الحدود بالقوة أمر غير مقبول على الإطلاق، وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع الخطة الأمريكية التي تشير إلى تنازلات إقليمية كبيرة من جانب أوكرانيا، بما في ذلك الاستسلام الكامل لشبه جزيرة القرم ومناطق لوغانسك ودونيتسك لصالح روسيا.

كما يعبر الأوروبيون عن رفضهم لأي تقليص في القدرات العسكرية الأوكرانية، وهو ما تقترحه الخطة الأمريكية التي تهدف إلى خفض عدد الجنود الأوكرانيين إلى 600 ألف فرد، مقارنة بنحو 900 ألف جندي حاليًا. وتتفق كل من أوكرانيا والدول الأوروبية على ضرورة تعزيز وتطوير القوات المسلحة الأوكرانية في المستقبل، لضمان قدرتها على مواجهة أي عدوان محتمل.

بالإضافة إلى ذلك، هناك خلاف حول مصير الأصول الروسية المجمدة، والتي تقع معظمها في أوروبا. يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد آليات لاستخدام ما يقرب من 140 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة في بلجيكا، وإصدار قرض تعويضات غير مسبوق لأوكرانيا، لتغطية احتياجاتها العسكرية والميزانية في عامي 2026 و2027.

في المقابل، تقترح الخطة الأمريكية بعد مفاوضات مباشرة مع موسكو عكس مسار هذا الإجراء. وتظهر تفاصيل الخطة، التي لا تزال غير واضحة تمامًا، إمكانية إلغاء تجميد الأصول الروسية ووضعها في صندوقين استثماريين، أحدهما لأوكرانيا والآخر لروسيا. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستستفيد اقتصاديًا من كلا الصندوقين، بينما يُفترض أن تتحمل أوروبا عبء تمويل إعادة إعمار أوكرانيا بقيمة 100 مليار يورو.

ووصف مسؤول أوروبي، تحدث لـ”يورونيوز” بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المباحثات، هذا المقترح بأنه “يثير الدهشة بسبب وحشيته الاقتصادية”. تعتبر أوروبا الاحتفاظ بالأصول المجمدة تحت ولايتها أداة قوية للضغط على روسيا.

وقد اعتمَد البيان الذي صدر يوم السبت من قبل كل من رئيس المجلس الأوروبي كوستا، ورئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، ورئيس الوزراء الكندي كارني، والرئيس الفنلندي ستوب، والرئيس الفرنسي ماكرون، والمستشارة الألمانية ميرز، ورئيس الوزراء مارتن، ورئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني، ورئيس الوزراء الياباني تاكايشي، ورئيس الوزراء الهولندي شوف، ورئيس الوزراء ستوره، ورئيس الوزراء سانشيز، ورئيس الوزراء البريطاني ستارمر، ودونالد توسك من بولندا.

يواجه القادة الأوروبيون تحديًا كبيرًا في تقديم خطة بديلة مقبولة، دون إثارة غضب الرئيس ترامب الذي يصر على التوصل إلى صفقة سريعة. وقال دبلوماسي: “هذه هي الساعة الأكثر صعوبة”.

وأضاف الرئيس الأوكراني زيلينسكي في خطاب متلفز يوم الجمعة أن بلاده تواجه خيارًا صعبًا: فقدان كرامتها أو فقدان دعم الولايات المتحدة. تعتبر هذه التصريحات بمثابة تحذير من العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن الضغط على أوكرانيا لقبول شروط غير مواتية.

من المتوقع أن يعقد قادة الاتحاد الأوروبي اجتماعًا آخر يوم الاثنين لمناقشة هذه القضية بشكل معمق. وستركز المباحثات على صياغة موقف أوروبي موحد، وتقديم مقترحات بديلة للخطة الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار المخاوف الأمنية والسياسية والاقتصادية لكل دولة عضو. يبقى الوضع غير مؤكد، ويتوقف الكثير على نتائج هذه الاجتماعات والمفاوضات المستمرة.

تظل مفاوضات السلام في أوكرانيا قضية معقدة وحساسة، وتتطلب تنسيقًا وثيقًا بين جميع الأطراف المعنية. وستستمر التطورات في هذا الملف في جذب انتباه المجتمع الدولي، وتحديد مستقبل الأمن الأوروبي والاستقرار الإقليمي. كما أن مصير الأصول الروسية المجمدة يظل موضوعًا مثيرًا للجدل، وقد يكون له تداعيات اقتصادية وسياسية كبيرة على المدى الطويل.

شاركها.