تبدو أوروبا والخليج على أعتاب مرحلة جديدة من العلاقات السياسية والاقتصادية، مع اقتراب انطلاق مفاوضات الشراكة الاستراتيجية التي يترقبها الجانبان عن كثب. فبعد عقود من التعاون القائم على الطاقة والتجارة، تسعى هذه المباحثات إلى صياغة إطار أوسع يفتح الباب أمام شراكات في مجالات مفصلية لاقتصاد المنطقتين. وبينما يواجه العالم تحديات متصاعدة من اضطرابات جيوسياسية وتقلبات اقتصادية، يبرز السؤال: ما الذي يمكن أن تضيفه هذه الشراكة المرتقبة إلى مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج؟ السطور التالية تحاول إلقاء الضوء على ذلك.

متى تبدأ مفاوضات الشراكة الاستراتيجية بين أوروبا والخليج؟

يُنتظر أن تبدأ مفاوضات التعاون الثنائي بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج في أقرب وقت ممكن، ولا تعد هذه المرة الأولى التي تنطلق فيها مفاوضات شراكة بين أوروبا والخليج، إذ أطلق الجانبان مفاوضات اتفاقية تجارة حرة (FTA) في عام 1990، لكن تم تعليق المفاوضات في 2008. وبعدها، أطلق التكتل ودول الخليج في مايو 2017 حواراً يختص بقضايا التجارة والاستثمار. 

كما شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل، في منتصف أكتوبر 2024، انعقاد أول قمة من نوعها تجمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وقادة الاتحاد الأوروبي. (مزيد من المعلومات عن هذه القمة في الفيديو أدناه).




ومن المقرر أن تشهد الكويت انعقاد اجتماع وزاري بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي -والذي يأتي استكمالاً للقمة السابقة- يوم 6 أكتوبر 2025، وفق الموقع الرسمي للخارجية الأوروبية (EEAS).

ما أهداف الخليج وأوروبا من هذه المفاوضات؟

تركز هذه المفاوضات على “مجموعة واسعة من الأهداف والقضايا، من بينها التعاون في ملفي الأمن والطاقة، حيث تريد بروكسل تعويض إمدادات الطاقة الروسية، مع توسيع التعاون في الدفاع والتقنيات المتقدمة. كما تأتي في وقت يكثف فيه الاتحاد الأوروبي جهوده لتنويع شراكاته” حسبما جاء في بيان الإعلان عن مفاوضات الشراكة الصادر في 18 يوليو الماضي.

الاتحاد يستهدف عبر هذه المفاوضات أيضاً “تقليل اعتماده على الولايات المتحدة، كرد فعل على السياسات التجارية غير المواتية التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب”، حسب البيان.

قالت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون المتوسط، دوبرافكا شويتسا، في تصريحات لبلومبرغ: “من خلال اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية، نهدف إلى الارتقاء بتعاوننا (مع دول الخليج) إلى مستوى جديد”.

اقرأ المزيد: محادثات أوروبية خليجية مرتقبة حول إبرام شراكة استراتيجية

أما بالنسبة لدول الخليج، فستشمل أُطر المفاوضات مجموعة واسعة من الموضوعات، من بينها السياسة الخارجية والأمن، العدالة وإنفاذ القانون، التجارة والاستثمار، الطاقة والمناخ، التحول الرقمي، البيئة، الترابط، التعليم، البحث والابتكار، الثقافة، وتعزيز التواصل بين الشعوب، وفق البيان.

وتتزامن هذه الخطوة مع تقدم أوسع نحو تعزيز الروابط بين المنطقتين الاقتصاديتين، إذ سبق أن اتفق الاتحاد الأوروبي والإمارات مؤخراً على بدء مفاوضات للتوصل إلى اتفاق تجارة حرة، بهدف إزالة الحواجز التجارية وتعزيز التكامل الاقتصادي.

لماذا يحمل التعاون بين الخليج وأوروبا أهمية خاصة؟

تعد دول الخليج أحد أهم مراكز مصادر الطاقة من النفط والغاز في العالم، وهو أمر مهم للجانب الأوروبي، فيما تمثل دول الاتحاد الأوروبي شريكاً استراتيجياً لدول لخليج، إذ تستورد منها أنواعاً مختلفة من الصناعات بما فيها العسكرية والتكنولوجية، في وقت تسعى فيه الدول الخليجية لتوطين كثير من تلك الصناعات لديها، ما يؤهل الجانبين لعلاقة شراكات تكاملية.

تدرك أوروبا، وخصوصاً ألمانيا، أن مصادر الطاقة المتجددة وحدها لن تكون كافية لدعم صناعاتها الثقيلة. بحسب المفوضية الأوروبية، وتمثل دول مجلس التعاون الخليجي “منطقة مهمة”، فيما يخص التجارة والاستثمار، حيث تعد سادس أكبر سوق تصدير للاتحاد الأوروبي.

من جانبه، قال يوهان وايك الخبير في العلاقات الأوروبية الخليجية، في حديث سابق مع “الشرق”، إن علاقات أوروبا بالخليج تتجاوز الإطار الاقتصادي لتشمل بعداً سياسياً عميقاً، موضحاً أن هذه العلاقة الاستراتيجية تجعل من دول الخليج شريكاً حيوياً لأوروبا، لا سيما في ظل التحديات الراهنة مثل أزمة الطاقة.

وأشار إلى أن دول الخليج تمثل بديلاً موثوقاً به لتوفير الطاقة، لافتاً إلى أن نجاح هذه الشراكة يتطلب من أوروبا فهماً أعمق للثقافة والتاريخ الخليجي، وبناء علاقات مبنية على الاحترام المتبادل.

تتقاطع المصالح بين أوروبا والخليج في العديد من المجالات، ويلتفت الكثير من القادة الأوروبيين إلى الخليج كمنقذ لاقتصادهم لترميم قطاعات كثيرة ابتداء، من الطاقة إلى التكنولوجيا ومن الأمن إلى التنمية المستدامة.

ما حجم التجارة والاستثمارات بين أوروبا والخليج؟

في عام 2024، بلغ إجمالي تجارة السلع بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج نحو 161.7 مليار يورو. سجّلت واردات الاتحاد الأوروبي نحو 62.3 مليار يورو، وتصدّرتها منتجات الوقود والتعدين والمعادن الأساسية وفق بيانات المفوضية الأوروبية. 

بلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى دول الخليج 99.4 مليار يورو وتصدّرها قطاع الآلات والمعدات وقطاع الكيماويات ومعدات النقل والمواد الغذائية. 

يُعدّ الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث شكّل 11.7% من إجمالي تجارة السلع للمجلس مع العالم في عام 2024.

 من جانبه، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى بناء “ممر اقتصادي” مع دول الخليج عموماً والسعودية على وجه الخصوص، بعدما استحوذت المملكة على 41% تقريباً من تجارة الخليج مع دول الاتحاد الأوروبي في 2023، وفقاً لتصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال لقائها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أكتوبر 2024. 

وفي عام 2023، بلغ إجمالي رصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة القادمة من الاتحاد الأوروبي إلى دول الخليج 235.9 مليار يورو، في حين وصل رصيد الاستثمارات الواردة إلى الاتحاد من المنطقة إلى 215.2 مليار يورو، وفق بيانات الاتحاد الأوروبي على موقعه الإلكتروني. 

 اقرأ المزيد: الاتحاد الأوروبي يسعى لبناء ممر اقتصادي مع دول الخليج

قالت فون دير لاين في منشور على “إكس” حينذاك إن الاتحاد يريد بناء “ممر اقتصادي لزيادة التجارة في الطاقة المتجددة والبيانات، إضافة لرفع التبادلات التجارية” بين شعوب التكتلين. وأعربت عن الرغبة في “العمل معاً لضمان الأمن الذي نحتاجه جميعاً للنمو الاقتصادي”. 

التبادل التجاري بين الخليج وأوروبا

يشهد التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج نمواً مطرداً يعكس متانة العلاقات الاقتصادية وأهمية المنطقة كمصدر موثوق للطاقة وشريك استراتيجي في مجالات متعددة. وتبرز السعودية والإمارات وقطر في صدارة الشركاء التجاريين، فيما تسجل الكويت والبحرين وعُمان أرقاماً أقل حجماً ولكنها تعكس بدورها روابط اقتصادية قائمة ومستمرة.

تعتمد أوروبا بشكل كبير على واردات الوقود والطاقة من الخليج، بينما تمثل صادراتها نحو المنطقة مزيجاً من الآلات والمعدات الكهربائية والإلكترونية والمنتجات الصناعية المتقدمة، بما يكرس الشراكة الاقتصادية المتبادلة.

البيانات التالية، وفقاً لـ منصة “تريندنغ إيكونوميكس” والأمم المتحدة (كومتريد)، تبرز أهم الأرقام الخاصة بالتبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج خلال عام 2024:













التبادل التجاري بين أوروبا ودول الخليج في 2024
الدولة الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي (بالمليار دولار) الورادات إلى الاتحاد الأوروبي (بالمليار دولار) حجم التبادل التجاري (بالمليار دولار) ملاحظات
السعودية  35.76  39.21 75 نحو 85% من صادرات السعودية إلى أوروبا نفط ومنتجات مكررة.
الإمارات 12.13  47.64  59.8 نحو 30% من الواردات أوروبية آلات ومعدات، و50% من الصادرات وقود ومنتجات بترولية.
قطر  7.7  9.1 16.7 تركز على الغاز الطبيعي المسال والصناعات المرتبطة.
الكويت 7.6  7.59 15.2 _____________________
عُمان  1.56 1.84 3.4 معظم التبادل في صورة واردات أوروبية متنوعة.
البحرين 0.51  1.74 2.25 تراجعت صادراتها من 1.669 مليار $ (2023) إلى 1.567 مليار $ (2024).
المصدر: منصة “تريندنغ إيكونوميكس” والأمم المتحدة (كومتريد)

يتضح من الجدول السابق أن السعودية والإمارات تقودان حركة التجارة الخليجية مع الاتحاد الأوروبي، تليهما قطر كشريك محوري في قطاع الغاز، فيما تأتي الكويت والبحرين وعُمان بأحجام أقل لكنها تبقى ضمن منظومة التكامل الاقتصادي الخليجي-الأوروبي.

ختاماً، ومع اقتراب بدء المفاوضات، تبدو العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج مرشحة لمرحلة جديدة من التعاون والتكامل. ورغم استمرار بعض التحديات، فإن تشابك المصالح وتلاقي الأولويات يوفران أرضية صلبة لتعزيز فرص التوصل إلى شراكة استراتيجية.

شاركها.