سجلت المملكة العربية السعودية نموًا ملحوظًا في قطاع التجارة الإلكترونية، حيث أظهرت بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزي السعودي (ساما) ارتفاعًا قياسيًا في مبيعات شهر أكتوبر 2025. بلغ إجمالي قيمة المعاملات عبر بطاقات “مدى” أكثر من 30.7 مليار ريال سعودي، مما يعكس تزايد الاعتماد على التسوق الرقمي في البلاد. هذا النمو يعزز مكانة المملكة كمركز إقليمي واعد في مجال التجارة الرقمية.

هذا الارتفاع في حجم المبيعات يأتي في سياق التطورات الاقتصادية والتقنية التي تشهدها المملكة، والجهود الحكومية المتواصلة لدعم التحول الرقمي. البيانات تشير إلى أن هذا الرقم يمثل أعلى مستوى شهري للمبيعات عبر “مدى” على الإطلاق، مما يؤكد الاتجاه التصاعدي القوي في هذا القطاع. وتشمل هذه المبيعات مختلف القطاعات، من الأزياء والإلكترونيات إلى الأثاث والخدمات.

نمو مبيعات التجارة الإلكترونية عبر “مدى” يبلغ 68%

أظهرت النشرة الإحصائية الصادرة عن البنك المركزي السعودي “ساما” لشهر أكتوبر 2025 نموًا سنويًا في مبيعات التجارة الإلكترونية بنسبة 68%، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق 2024. وقد بلغت قيمة المبيعات في أكتوبر 2024 حوالي 18.3 مليار ريال، بينما تجاوزت 30.7 مليار ريال في أكتوبر 2025، مما يمثل زيادة تقدر بنحو 12.4 مليار ريال. هذا النمو يعكس زيادة الثقة في استخدام الدفع الإلكتروني.

العوامل المحفزة للنمو

يعزى هذا النمو الكبير في مبيعات التجارة الإلكترونية إلى عدة عوامل رئيسية. أولاً، زيادة انتشار الإنترنت واستخدام الهواتف الذكية بين أفراد المجتمع السعودي. ثانيًا، التسهيلات التي تقدمها البنوك وشركات الدفع الإلكتروني، بما في ذلك خيارات التقسيط المرنة والخصومات والعروض الترويجية.

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت جائحة كوفيد-19 في تغيير سلوك المستهلكين، وزيادة توجههم نحو التسوق عبر الإنترنت لتجنب الازدحام والحفاظ على السلامة. هذا التحول في السلوك يبدو أنه استمر حتى بعد انتهاء الجائحة، مع استمرار المستهلكين في الاستمتاع بمزايا التسوق الرقمي مثل الراحة وتوفر مجموعة واسعة من المنتجات والأسعار التنافسية.

وتشير التقارير إلى أن مبادرات رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز القطاع الرقمي، تلعب دورًا هامًا في دعم نمو التجارة الإلكترونية. وتشمل هذه المبادرات تطوير البنية التحتية الرقمية، وتشجيع ريادة الأعمال في مجال التقنية، وتسهيل الإجراءات الحكومية المتعلقة بالتجارة الإلكترونية.

تأثير النمو على قطاعات أخرى

لا يقتصر تأثير نمو التجارة الإلكترونية على قطاع البيع بالتجزئة فحسب، بل يمتد ليشمل قطاعات أخرى ذات صلة. على سبيل المثال، شهد قطاع الخدمات اللوجستية نموًا ملحوظًا نتيجة لزيادة حجم الشحنات والتوصيلات. كما استفادت شركات التقنية من زيادة الطلب على حلول التجارة الإلكترونية، مثل منصات البيع عبر الإنترنت وأنظمة إدارة المخزون.

ومع ذلك، يواجه قطاع التجارة الإلكترونية في المملكة بعض التحديات، مثل ارتفاع تكاليف الشحن، ومحدودية خيارات الدفع، وقضايا الأمن السيبراني. وتعمل الجهات الحكومية والخاصة على معالجة هذه التحديات من خلال تطوير اللوائح والسياسات، والاستثمار في التقنيات الحديثة، وتوعية المستهلكين بأهمية حماية بياناتهم الشخصية.

النمو في استخدام بطاقات “مدى” يعكس أيضًا زيادة في الشمول المالي، حيث يتيح الدفع الإلكتروني للأفراد الذين لا يمتلكون حسابات بنكية الوصول إلى الخدمات المالية. هذا الأمر يتماشى مع أهداف البنك المركزي السعودي لتعزيز الشمول المالي وتوفير خدمات مالية آمنة وموثوقة لجميع أفراد المجتمع.

بالإضافة إلى “مدى”، تشهد طرق الدفع الإلكترونية الأخرى، مثل بطاقات الائتمان والتحويلات البنكية، نموًا ملحوظًا في المملكة. وتشير البيانات إلى أن الدفع الإلكتروني أصبح الخيار المفضل للعديد من المستهلكين السعوديين، خاصةً عند التسوق عبر الإنترنت.

من المتوقع أن يستمر قطاع التجارة الإلكترونية في النمو في المملكة العربية السعودية خلال السنوات القادمة، مدفوعًا بالعوامل المذكورة أعلاه. وتشير التوقعات إلى أن حجم مبيعات التجارة الإلكترونية قد يتجاوز 50 مليار ريال في عام 2026.

وفي الختام، من المقرر أن يصدر البنك المركزي السعودي (ساما) تقريره الإحصائي لشهر نوفمبر 2025 في منتصف شهر ديسمبر، والذي سيوفر المزيد من الرؤى حول أداء قطاع التجارة الإلكترونية. سيكون من المهم مراقبة هذه البيانات لتقييم مدى استمرار الاتجاه التصاعدي، وتحديد التحديات والفرص الجديدة التي تواجه هذا القطاع الحيوي.

شاركها.