أظهر الكونغرس الأميركي مؤشرات على التحرك لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد، لفترة وجيزة فقط، لكن الآمال في التوصل إلى تسوية بعد الانتخابات تلاشت سريعاً، إذ بدا أن أعضاء مجلس الشيوخ المحبطين لم يقتربوا بعد من خطة للخروج من الأزمة.

خفض الديمقراطيون، الذين حققوا انتصارات واسعة في انتخابات الثلاثاء، سقف مطالبهم واقترحوا تمديد الإعفاءات الضريبية ضمن قانون الرعاية الصحية الميسّرة لعام واحد مقابل إعادة فتح الحكومة.

غير أن بعد نصف ساعة فقط من طرح المقترح، وصف الجمهوريين العرض بأنه “ميّت منذ البداية” وغير جاد .

عندما يكلف العناد مليار دولار يومياً.. إغلاق حكومة أميركا يدخل التاريخ

ورغم ذلك، بقي أعضاء مجلس الشيوخ في واشنطن خلال عطلة نهاية الأسبوع لأول مرة منذ بدء الإغلاق قبل 39 يوماً، بعدما وبّخ الرئيس الأميركي دونالد ترمب المشرعين وطالبهم “بألا يغادروا المدينة” قبل حلّ أزمة الإنفاق. وما زال من غير الواضح ما إذا كان زعيما الحزبين، الجمهوري جون ثون والديمقراطي تشاك شومر، سيعقدان محادثات جوهرية أو ما إذا كان مجلس الشيوخ سيجري أي تصويت.

هل يتدخل ترمب؟

يُعدّ ذلك تحولاً رمزياً على الأقل عن النهج المتراخي الذي اتبعه المشرّعون حتى الآن في مفاوضات إعادة فتح الحكومة. لكن ترمب لم يُظهر نيّة للمشاركة المباشرة في المحادثات، إذ غادر الجمعة إلى منتجعه “مارالاغو” في فلوريدا، وواصل إصدار توجيهاته للجمهوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

يؤكد الديمقراطيون أن مشاركة ترمب ضرورية لإنهاء الإغلاق، وأن على الجمهوريين إشراك أعضائهم في صياغة مشروع قانون للإنفاق لإعادة فتح الحكومة، لأنه يحتاج إلى أصوات ديمقراطية لإقراره.

واشنطن تبدأ تسريح الموظفين الفيدراليين مع استمرار الإغلاق الحكومي

وقالت السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن: “العائلات في جميع أنحاء البلاد أبلغتنا هذا الأسبوع بأن تكاليف المعيشة قضية كبرى بالنسبة لهم، ويريدوننا أن نواصل الضغط على الجمهوريين”، مضيفة أن الجمهوريين “رسموا خطاً أحمر وقالوا إن الأطفال يمكن أن يجوعوا، وإن الرحلات الجوية يمكن أن تتعطل، وإن الناس عليهم تحمّل زيادة أقساط التأمين الصحي مرتين أو 3 مرات”.

في المقابل، قال الجمهوري جون ثون إن حزبه سيفاوض فقط على تمديد إعفاءات قانون الرعاية الصحية بعد تصويت الديمقراطيين لإعادة فتح الحكومة. وأضاف: “كل ما عليهم فعله هو قبول الإجابة بنعم، لقد قدمنا لهم حلاً، والرئيس مستعد للقائهم، وأنا مستعد لمنحهم صوتي”.

آثار الإغلاق الحكومي

تتضاعف آثار الإغلاق الحكومي كلما طال أمده، إذ ما زال الموظفون الفيدراليون بلا رواتب، وتوشك الأموال الاحتياطية المستخدمة لتغطية بعض المزايا ودفع رواتب العسكريين على النفاد. كما تتراكم الطلبات المتأخرة لاسترداد الضرائب وقروض المشروعات الصغيرة وغيرها من الخدمات الفيدرالية.

وأشار المشرّعون إلى أن نقاط ضغط –من فوضى شركات الطيران إلى تأخّر المساعدات الغذائية– يمكن أن تكون عوامل حاسمة لإنهاء الإغلاق، لكن أياً منها لم يحقق وضوحاً حول كيفية أو توقيت إنهاء الأزمة، مما زاد حالة عدم اليقين بشأن الخطوة التالية التي قد تدفع الكونغرس إلى التحرك.

يشتري نحو 24 مليون أميركي تغطية صحية ضمن برنامج “أوباماكير” (Obamacare) بأسعار تعادل أضعاف ما دفعوه العام الماضي، بينما لم يتلقَّ كثيرون بعد إعاناتهم الغذائية لشهر نوفمبر العالقة في نزاع قضائي.

الدولار تحت الضغط مع دخول واشنطن أول إغلاق حكومي منذ 7 سنوات

وزادت انتصارات الديمقراطيين الأخيرة من تصميم الحزب على مواصلة المعركة، فيما تسببت إلغاءات الرحلات الجوية الإلزامية التي بدأت الجمعة في احتجاز المسافرين في بعض أكبر مطارات البلاد.

العملية السياسية

بدأت آثار الإغلاق، التي اقتصرت في الأسابيع الأولى على الموظفين الحكوميين، تمتد الآن إلى شرائح أوسع من الأميركيين. فقد أمرت هيئة الطيران الفيدرالية شركات الطيران بخفض عدد الرحلات بنسبة 10% بحلول 14 نوفمبر، في خطوة قد تسبب فوضى للمسافرين خلال عطلة عيد الشكر المزدحمة. وقال وزير النقل شون دافي إن هذا الخفض قد يصل إلى 20% إذا تفاقمت الأزمة.

الإغلاق الحكومي المستمر يهدد بتقليص 20% من الرحلات الجوية بأميركا

كما تعاني ميزانيات ملايين الأميركيين ذوي الدخل المنخفض من ضغوط إضافية بسبب تأخير صرف إعانات برنامج المساعدة الغذائية التكميلية (SNAP) نتيجة نزاع قانوني حول تمويل المدفوعات أثناء الإغلاق. وتواجه الأسر نفسها ارتفاعاً كبيراً في تكاليف الرعاية الصحية العام المقبل مع انتهاء الإعفاءات الضريبية لقانون الرعاية الصحية الميسّرة.

كلفة الإغلاق الحكومي على الاقتصاد

تُقدّر كلفة الإغلاق على الاقتصاد الأميركي بنحو 15 مليار دولار أسبوعياً، فيما يتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن يخفض الإغلاق معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الفصلي السنوي بنسبة 1.5 نقطة مئوية بحلول منتصف نوفمبر. وانخفضت ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات وسط القلق المتزايد بشأن الإغلاق والأسعار وسوق العمل، وفق الأرقام الصادرة يوم الجمعة.

أطول إغلاق حكومي في التاريخ يكلّف الاقتصاد الأميركي 15 مليار دولار أسبوعياً

لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الديمقراطيين حتى الآن لديهم اليد العليا في المعركة.

إذ أظهر استطلاع جديد أجرته مؤسسة “كيه إف إف هيلث” (KFF Health) أن 74% من البالغين الأميركيين يؤيدون تمديد الإعفاءات الضريبية للتغطية الصحية ضمن “أوباماكير”، من بينهم 94% من الديمقراطيين و50% من الجمهوريين.

ومع ذلك، فإن الناخبين كانوا أقل وضوحاً في تحديد الجهة المسؤولة عن الإغلاق: 52% يحمّلون ترمب والجمهوريين في الكونغرس المسؤولية، بينما يرى 42% أن الديمقراطيين يتحملون اللوم، وفقاً لاستطلاع “إن بي سي نيوز” (NBC News).

شاركها.