تلقت السوق الصاعدة في “وول ستريت” دفعة جديدة في ختام شهر يتّسم بالتقلبات، إذ تغلب التفاؤل بشأن أرباح الشركات على المخاوف من تركّز المكاسب في أسهم التكنولوجيا العملاقة.

بعد توقف مؤقت في موجة صعود مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500) والتي أضافت قرابة 17 تريليون دولار للقيمة السوقية، ارتفع المؤشر بدعم من توقعات قوية لشركتي “أمازون” (Amazon) و”أبل” (Apple). ومع ذلك، لم تحقق أسهم جميع الشركات الكبرى مكاسب يوم الجمعة، إذ تراجع زخم سهم “أبل” بعد انخفاض مبيعاتها في الصين الذي حدّ من الحماس تجاه موسم العطلات المرتقب. واستقرت السندات بعد موجة بيع أعقبت اجتماع الاحتياطي الفيدرالي، بينما ارتفع الدولار.

اختبار ثقة

واجه المتداولون عوامل معقدة في أكتوبر تتراوح من المخاطر الجيوسياسية والتجارية، مروراً بالإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة والتقييمات المرتفعة للأسهم. لكن الثقة في الشركات الأميركية والرهان على خفض أسعار الفائدة ما زالا يغذيان الزخم.

قال مارك هاكيت من شركة “نايشنوايد” (Nationwide) إن الشهر مثّل اختباراً لقوة تفاؤل المستثمرين وسط أخبار التجارة والسياسة النقدية والأرباح، مضيفاً: “هناك تشكك متزايد بشأن نطاق مشاركة الأسهم في الصعود، لكن كثيرين يرون أنه مجرد حجة جديدة من المتشائمين الذين تلاشت معظم مبرراتهم السابقة. ومعظم المؤشرات ما تزال تدعم السوق القوية حتى نهاية العام”.

“S&P 500” يربح 40% منذ أبريل

منذ تراجعات أبريل، صعد مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنحو 40%، مسجلاً أطول موجة مكاسب شهرية منذ 2021. أما مؤشر “ناسداك 100” (Nasdaq 100)، الذي ارتفع 7 أشهر متواصلة، فحقق أطول سلسلة ارتفاعات منذ ثماني سنوات، مدعوماً بمتانة ميزانيات شركات التكنولوجيا وتفاؤل المستثمرين بالذكاء الاصطناعي.

ارتفع “ستاندرد آند بورز 500” إلى نحو 6840 نقطة، وقفز مؤشر “السبعة الكبار” 1.2% يوم الجمعة، بينما صعد سهم “أمازون” بنحو 10%.

الفيدرالي يميل إلى التريث في خفض الفائدة

توقفت مكاسب سوق السندات في أكتوبر بعد أن قلل رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول من احتمال خفض الفائدة في ديسمبر، وأشار بعض المسؤولين إلى عدم دعمهم لتقليص الفائدة هذا الأسبوع. وسجل الدولار أفضل أداء شهري له منذ يوليو.

وتراجعت مكاسب النفط يوم الجمعة بعد نفي الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه يدرس شنّ ضربة عسكرية على فنزويلا.

ترمب: لم أتخذ قراراً بشن ضربات على فنزويلا

عدد الأسهم الصاعدة

رغم الأجواء الإيجابية العامة للأسهم، برزت مخاوف من قلة عدد الأسهم المشاركة في الصعود، ما قد يهدد استمراريته على الأجل القصير.

قال كريغ جونسون من “بايبر ساندلر” ( Piper Sandler): “اتساع فجوة المشاركة في صعود السوق يشير إلى أن بعض الأسهم فقط تستفيد من المكاسب في الفترة الراهنة، فيما تُترك أخرى خالية الوفاض”. وأضاف أن فرص المخاطرة والعائد الأفضل تكمن في الشراء عند التراجعات ضمن الدورة الصاعدة الحالية.

تقييم مرتفع ومخاوف الفقاعة

تاريخياً، يمثل نوفمبر بداية أفضل ستة أشهر للأسهم الأميركية على مدار العام، لكن التساؤل هو ما إذا كانت مكاسب نهاية العام قد سُعّرت بالفعل بعد واحدة من أطول فترات صعود مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” منذ خمسينيات القرن الماضي.

كيف تتفاعل طفرة أسهم الذكاء الاصطناعي؟

وبعد واحدة من أسرع فترات التعافي في تاريخ الأسواق، يتداول المؤشر عند 23 ضعفاً للأرباح المتوقعة، وهو أعلى بكثير من متوسط العقدين الماضيين.

وفي إشارة تحذيرية، نشر المستثمر مايكل بَري، الذي اشتهر بالمراهنة ضد سوق الإسكان الأميركية سابقاً، تغريدة غامضة قال فيها:

“أحياناً نرى فقاعات، وأحياناً يمكن فعل شيء حيالها، وأحياناً تكون الخطوة الرابحة الوحيدة هي عدم المشاركة”.

أداء موسمي قوي للأسهم الأميركية

رغم ذلك، تبقى نتائج الأرباح محور اهتمام المستثمرين، إذ أعلنت أكثر من 60% من شركات “ستاندرد آند بورز 500” نتائجها، وتجاوزت معظمها التقديرات.

وأشار هاكيت إلى أن السوق تدخل الآن أفضل شهرين على أساس موسمي في العام، حيث بلغ متوسط العائد خلال الشهرين الأخيرين من العام 3.3% منذ 1950.

قال توماس لي من “فاندسترات غبولال أدفايزورس” (Fundstrat Global Advisors): “نحن في الربع الأقوى موسمياً، لذا نغتنم فرص الشراء عند الانخفاضات. هناك قطاعات عديدة تسجل نمواً يفوق 10%، ما يثبت أن القصة لا تتعلق فقط بالذكاء الاصطناعي، بل بقدرة الشركات الأميركية والمتعددة الجنسيات على تحقيق مكاسب قوية”.

تظل التدفقات داعمة للأسهم، إذ اجتذبت الأسهم العالمية 17.2 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 29 أكتوبر، وفق بيانات “بنك أوف أميركا”. وقال المحلل مايكل هارتنت إن تصدر أسهم الذكاء الاصطناعي “لن يتراجع في الوقت الراهن”.

أسهم الذكاء الاصطناعي تتولى دفة السوق

قال مارك هايفلي من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” (UBS Global Wealth Management): “نؤكد قناعتنا بأن شركات الذكاء الاصطناعي ستقود أداء الأسهم في الفترة المقبلة، وبناء على ذلك، نوصي المستثمرين بإضافة المراكز عبر استراتيجيات متنوعة”.

لماذا تتصاعد المخاوف من فقاعة ذكاء اصطناعي حجمها تريليون دولار؟

أشار رايان غرابنسكي من “ستراتيغاس” (Strategas ) إلى أن كلمة “الذكاء الاصطناعي” ترد في خطابات الشركات بشكل متزايد، مضيفاً أن مخاوفه السابقة تجاه تباطؤ الإنفاق الاستثماري “تلاشت” وأن “نشاط الاستثمار لا يزال قوياً على الأقل لربع آخر”، وأشار إلى أن “أن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يمتد حالياً إلى قطاعات خارج التكنولوجيا، ما يخلق فرصاً أوسع ويعزز تنوّع السوق”.

ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنحو 16% منذ بداية العام. ووفق جاي كيبيل من “سنتيمنت تريدر” (SentimenTrader)، فإن المكاسب التي تتجاوز 10% بين يناير وأكتوبر كانت تاريخياً تمهّد لتحقيق نتائج إيجابية خلال الشهرين التاليين بنسبة نجاح بلغت 86%.

وقال كيبيل: “التاريخ يشير إلى فرص مواتية، لكن على المستثمرين أن يوزعوا رأس المال بحكمة وأن يستعدوا لاحتمال تغيّر الاتجاهات والتواكب معها”.

تركّز الأسهم الصاعدة

في ظل تحليق الأسواق قرب مستويات قياسية تقودها حفنة من الأسهم الكبرى، يتساءل كريس سنياك من “وولف ريسيرتش” (Wolfe Research) عمّا إذا كان الأداء سيتسع ليضم مزيداً من الأسهم.

ورغم بقاء تقييمات الأسهم المتوسطة عند متوسطها التاريخي، فإن ضعف نمو أرباحها خلال السنوات الأخيرة يرجّح استمرار قيادة الأسهم الكبرى حتى نهاية العام.

قال كريس سينيك من “وولف ريسيرتش”: “طالما بقيت قصة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي محركاً أساسياً للأسواق، ومع استمرار تدفق الأموال إلى الشركات الكبرى، فستظل هذه الأسهم مفضلة. لن يتسع نطاق السوق إلا عندما يحدث تحسن مستدام في أساسيات وأرباح الشركات الصغيرة والمتوسطة”.

أسهم النمو تواصل التفوق على أسهم القيمة

قال فلوريان إيلبو من “لومبارد أودييه أسيت مانجمنت” (Lombard Odier Asset Management): “الموجة الصاعدة المدفوعة بأسهم التكنولوجيا تواصل تقدمها بثبات، إذ ترتفع الأسواق بطريقة مركزة بشكل متزايد”. وأضاف: “ربحية شركات التكنولوجيا الأميركية ليست قوية فحسب، بل تتحسن، في دلالة على مرونة لم يتوقعها كثيرون”.

وأشار إلى أن مؤشري “ستاندرد آند بورز 500″ و”ناسداك” يهيمنان حالياً على فئة أسهم النمو، فيما تراجعت أسهم القيمة، لتفقد تفوقها منذ بداية العام.

رغم ارتفاع تقييمات أسهم النمو مقارنة بأسهم القيمة، يرى جيريميا باكلي من “جانوس هندرسون إنفستورز” (Janus Henderson Investors) أن الوضع مختلف عن فقاعة عام 2000، إذ تستند التقييمات الحالية إلى أساسيات قوية، حيث تتسع فجوة الربحية بين مؤشري النمو والقيمة بشكل يبرّر الفجوة في التقييم.

وأضاف: “منذ 2002، ارتفع مكرر السعر إلى القيمة الدفترية بالتوازي مع ارتفاع العائد على حقوق المساهمين، بينما في فقاعة عام 2000 تضخمت التقييمات دون دعم أساسي. الوضع اليوم مختلف تماماً”.

شاركها.