شهدت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة ارتفاعًا ملحوظًا في الجلسة الأخيرة من أسبوع تداول حافل، مدفوعةً بمجموعة من العوامل الفنية والاقتصادية. تزامن هذا الارتفاع مع انتهاء صلاحية كمية قياسية من عقود الخيارات، مما أثار مخاوف بشأن تقلبات الأسعار المحتملة. في المقابل، شهدت أسعار السندات انخفاضًا، بينما واصلت عملة البيتكوين صعودها.

جاء هذا الأداء الإيجابي مدعومًا بشكل خاص بارتفاع أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، والتي كانت تواجه ضغوطًا في الفترة الأخيرة بسبب خطط الإنفاق الطموحة على الذكاء الاصطناعي. وقد ساهم هذا الارتفاع في تعويض الخسائر الأسبوعية لمؤشر “إس آند بي 500″، حيث تصدرت شركة “إنفيديا” مكاسب الشركات الرائدة، بينما قفز سهم “أوراكل” بنسبة 7%.

“الساحرة الثلاثية” وتأثيرها على الأسواق

واجهت وول ستريت ظاهرة ربع سنوية تُعرف باسم “الساحرة الثلاثية”، وهي عبارة عن انتهاء صلاحية عقود المشتقات المرتبطة بالأسهم، وخيارات المؤشرات، والعقود الآجلة. يؤدي هذا الحدث إلى قيام المتداولين بتسوية مراكزهم الحالية أو فتح مراكز جديدة، مما قد يؤدي إلى تقلبات في الأسعار. تشير تقديرات “سيتي غروب” إلى أن القيمة الإجمالية للمراكز المفتوحة التي انتهت صلاحيتها بلغت حوالي 7.1 تريليون دولار.

يرى خبراء مثل كيني بولكاري من “سلايت ستون ويلث” أن هذه الأحداث ذات طبيعة فنية بحتة، ولا تعكس بالضرورة تغييرات جوهرية في الأساسيات الاقتصادية. وأضاف أن المستثمرين يجب ألا يخلطوا بين حجم التداول والتقلبات وبين أي مؤشرات حقيقية على أداء الشركات أو الاقتصاد.

بعد فترة من التراجع، مدفوعةً بالشكوك حول استدامة الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي والمخاوف بشأن وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، عاد المستثمرون إلى شراء الأسهم بأسعارها المنخفضة. على الرغم من أن البيانات الاقتصادية الصادرة خلال الأسبوع لم تقدم الكثير من الوضوح، إلا أن التوقعات لا تزال تشير إلى احتمال خفض أسعار الفائدة مرتين في عام 2024.

توقعات بنهاية العام الصاعدة

يبدو أن المستثمرين قد حصلوا على ما كانوا ينتظرونه، وهو “رالي نهاية العام” التقليدي. تاريخيًا، يميل مؤشر “إس آند بي 500” إلى الارتفاع خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر ديسمبر، بمتوسط صعود يبلغ 1.3%، وذلك منذ عام 1928، وفقًا لبيانات جمعتها “سيتاديل سيكيوريتيز”.

وأشار ستيف سوسنيك من “إنتراكتيف بروكرز” إلى أن المتداولين يبدو وأنهم يستعدون لهذا الارتفاع، على الرغم من أن حجم التداول قد يكون أقل بسبب عطلة عيد الميلاد.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الملحمة المتعلقة بمستقبل تطبيق “تيك توك” في الولايات المتحدة تقترب من نهايتها، حيث أعلنت المنصة عن بيع ذراعها الأمريكية لتحالف تقوده شركة “أوراكل”. وفي سياق منفصل، أعلن الرئيس دونالد ترمب عن إبرام صفقات مع تسع شركات أدوية.

تدفقات الأموال نحو الأسهم الأمريكية

تشهد الأسهم الأمريكية تدفقات استثمارية كبيرة، تقارب مستويات قياسية، وذلك في ظل توقعات بانخفاض تكاليف الاقتراض وتخفيض الرسوم الجمركية والتخفيضات الضريبية المحتملة في عام 2025، وفقًا لـ “بنك أوف أميركا”.

أظهرت بيانات “إي بي إف آر غلوبال” أن الأسهم الأمريكية استقطبت حوالي 78 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 17 ديسمبر، وهو أعلى مستوى منذ تدفق 82.2 مليار دولار إلى السوق قبل عام. كما شهد قطاع التكنولوجيا عودة إلى الاستقطاب التدفقات النقدية بعد ثلاثة أسابيع من التراجع.

لويس نافيليه من “نافيليه آند أسوشيتس” أعرب عن تفاؤله باستمرار هذا الاتجاه الإيجابي، متوقعًا موجة صعود قوية حتى نهاية العام وبداية قوية لعام 2025.

يرى ألكسندر غيوليانو من “ريزونات ويلث بارتنرز” أن الظروف العامة لا تزال مواتية، وأن الانخفاض الأخير في التقييمات يمثل فرصة للمستثمرين الذين لم يقموا بزيادة تعرضهم للأسهم بشكل كافٍ. ويحذر من محاولة التنبؤ بقمة فقاعة الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أننا نشهد طفرة استثمارية هيكلية تتطلب استثمارًا طويل الأجل وليس مجرد مضاربة.

وينصح غيوليانو بالتركيز على الشركات التي لديها القدرة على قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تتمتع بقوة مالية تمكنها من التكيف مع التغيرات والتغلب على التحديات. ويؤكد أن العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى تتناسب مع هذا الوصف، حتى مع ارتفاع تقييماتها.

على الرغم من التقلبات الأخيرة، يظل المشهد العام إيجابيًا للأسهم وأصول الأسواق الناشئة، بينما قد يشكل الدولار الأمريكي ضغطًا سلبيًا طفيفًا.

من المتوقع أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي مراقبة البيانات الاقتصادية الواردة، وخاصةً بيانات التوظيف والتضخم، قبل اتخاذ أي قرارات بشأن أسعار الفائدة. سيراقب المستثمرون أيضًا التطورات الجيوسياسية والأداء المالي للشركات الكبرى في الربع الأول من عام 2025 لتقييم مسار الأسواق وتحديد فرص الاستثمار المحتملة.

شاركها.