استهلّت الأسهم الأميركية ما يُعرف تقليدياً بـ”أفضل أشهر العام للأسواق” بارتفاع قادته أسهم التكنولوجيا، بعدما أضافت صفقة “أمازون” البالغة 38 مليار دولار مع “أوبن إيه آي” مزيداً من الزخم لموجة التداول المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فيما ارتفعت عوائد السندات وتراجعت العملات المشفرة.
قفز مؤشر “العظماء السبعة” (أبل، إنفيديا، أمازون، ألفابت، مايكروسوفت، ميتا، تسلا) بنسبة 1.5% مع تجدد اندفاع أسهم الشركات العملاقة، إذ ستدفع شركة “أوبن إيه آي” لـ”أمازون ويب سيرفيسز” مقابل الوصول إلى مئات الآلاف من وحدات المعالجة الرسومية التابعة لـ”إنفيديا” بموجب اتفاق مدته سبع سنوات، ما رفع أسهم “أمازون” بنسبة 4.5%. ورغم التفاؤل المرتبط بالذكاء الاصطناعي، تراجعت أسهم نحو 330 شركة من مكونات مؤشر “إس آند بي 500”.
زخم الذكاء الاصطناعي يقود السوق
شهدت جلسة الإثنين انضمام عملاق تكنولوجي جديد إلى قائمة الشركات التي تبني أو تعيد تجهيز مراكز البيانات لدعم “أوبن إيه آي”، فيما واجهت الحماسة المحيطة بالتكنولوجيا الثورية دعوات إلى تصحيح أوسع في السوق، بعد موجة الصعود المستمرة منذ انهيار أبريل.
في الوقت نفسه، تابع المتعاملون عدداً محدوداً من التقارير الاقتصادية المنتظرة هذا الأسبوع، إذ أظهرت البيانات انكماش نشاط المصانع الأميركية في أكتوبر للشهر الثامن على التوالي، مع استمرار تراجع الضغوط التضخمية.
حذّر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو أوستان غولسبي من أنه أكثر قلقاً بشأن التضخم من التوظيف، بينما قالت نظيرته في سان فرانسيسكو ماري دالي إن على المسؤولين “إبقاء الباب مفتوحاً” أمام احتمال خفض الفائدة في ديسمبر، فيما أشار المحافظ ستيفن ميران إلى أن السياسة النقدية ما زالت “مقيّدة”.
وقالت أولريكه هوفمان-بورخارد من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” إن “المخاوف بشأن التقييمات المرتفعة ما زالت قائمة، كما أن آفاق سياسة الفيدرالي تبدو أكثر غموضاً”، مضيفة أن “رغم المكاسب القوية للأسهم هذا العام، نعتقد أن السوق الصاعدة ما زال أمامها مجال للتقدم”.
مكاسب قوية يقابلها حذر متزايد
استقر مؤشر “إس آند بي 500” قرب 6855 نقطة، فيما تراجع المؤشر المرجّح بالتساوي الذي يعطي شركات مثل “دولار تري” الوزن نفسه لـ”أبل”. وستعلن “بالانتير” نتائجها بعد الإغلاق، بعدما قفز سهمها نحو 400% خلال عام.
ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات ثلاث نقاط أساس إلى 4.10%، في حين هبطت “بتكوين” بنسبة 2.5% وتذبذب الدولار.
ورغم التفاؤل السائد بأن الأسهم ستواصل الصعود، بدأ بعض كبار المتفائلين في وول ستريت يشعرون بالقلق من أن هذا الإجماع الإيجابي المفرط قد يكون “إشارة معاكسة”.
يتمتع المتفائلون بارتفاع الأسعار بتاريخ داعم، حيث يُعد شهر نوفمبر تاريخياً أفضل شهر للعوائد على مدار العقود الثلاثة الماضية. لكن السؤال هو ما إذا كانت مكاسب نهاية العام قد تم احتسابها بالفعل في السوق بعد واحدة من أفضل فترات أداء مؤشر “إس آند بي 500” منذ خمسينيات القرن الماضي.
فبحسب “إد يارديني”، مؤسس “يارديني ريسيرش”، “هناك عدد كبير جداً من المتفائلين، وأي حدث غير متوقع يمكن أن يدفع الأسهم للتراجع من مستوياتها المرتفعة وسط ضعف في اتساع السوق، لكن حدوث ذلك قد يكون صعباً مع اقتراب موسم الأعياد”.
وقال جوليان إيمانويل من “إيفركور” إن “التفاؤل القياسي يرفع احتمالات تقلبات قصيرة المدى، إذ تصبح الأسهم أكثر عرضة لأي أخبار غير مثالية”.
أما بريت كينويل من “إيتورو” فاعتبر أن “مع إجبار الفيدرالي المستثمرين على إعادة التفكير في خفض الفائدة في ديسمبر، قد يؤدي أي تراجع في المعنويات إلى هبوط مؤقت في السوق، إلا أن المستثمرين الذين ينتظرون على الهامش سيرحبون على الأرجح بأي تصحيح”.
تفاؤل موسمي وتقييمات مرتفعة
رأى استراتيجيون في “إل بي إل فايننشال” بمن فيهم آدم تورنكويست وجيف بوشبيندر، أن “من الصعب المجادلة في مواجهة سوق صاعدة تحقق قمماً متتالية”، لكنهم أضافوا أن “الأسواق الصاعدة ليست خطية، رغم أنها بدت كذلك منذ أبريل”، محذرين من أن ضعف اتساع السوق يمثل إشارة على “تشققات ناشئة في الأساس”.
وقالوا: “إذا أخذ هذا الارتفاع استراحة قصيرة، فقد تساعد القوة الموسمية في الحد من عمق ومدى التراجع، إلا أن قوة الأداء خلال الأشهر الستة الماضية تشير إلى أن بعض المكاسب تحققت مسبقاً”.
وأشار لويس نافالييه من “نافالييه أند أسوشيتس” إلى أن “الزخم لا يزال إيجابياً، لكن التركّز العالي للعوائد يبرز أن المستثمرين ذوي الانكشاف الكبير على أسهم الذكاء الاصطناعي يعيشون عاماً أفضل بكثير”.
موسم أرباح استثنائي يدعم الثقة
يرى سام ستوفال من “سي إف آر إيه” أن التاريخ يطمئن المستثمرين إلى أن وتيرة السوق القوية حتى الآن لا تضعف عادةً في نهاية العام، قائلاً: “رغم احتمال حدوث جني أرباح قصير ومحدود، نواصل توقع ارتفاع الأسعار حتى نهاية العام مدفوعة بتحسن توقعات نمو الأرباح، وتخفيف القيود التجارية، وإنهاء الإغلاق الحكومي، واحتمال خفض آخر للفائدة في ديسمبر”.
ومنذ عام 1928، ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بأكثر من 10% حتى أكتوبر في 40 حالة، وكان نوفمبر يحقق بعدها مكسباً متوسطه 2.6%، وفقاً لـ”بيسبوك إنفستمنت غروب”، التي أكدت أن “المقولة القديمة القائلة إن المكاسب تولّد مزيداً من المكاسب تنطبق هنا، إذ غالباً ما تحقق الأسواق التي ترتفع بقوة حتى أكتوبر أداءً أفضل في نوفمبر وديسمبر”.
وقالت سايرا مالك من “نوفين” إن “موسم الأرباح الإيجابي ساعد في تعويض غياب الزخم الكلي”، مضيفة أن “التقييمات تبدو مرتفعة لكنها مدعومة بتسارع نمو الأرباح وتوقعات بانخفاض تكلفة رأس المال بفضل تيسير الفيدرالي”.
أرباح قياسية رغم ضعف ردّ فعل الأسهم
بحسب استراتيجيي “غولدمان ساكس”، تجاوزت أرباح الربع الثالث التوقعات بأحد أعلى المعدلات التاريخية، وهي وتيرة لم تتخطها سوى فترة التعافي من جائحة كوفيد في 2020 – 2021، وفقاً لما أوضحه الفريق بقيادة ديفيد كوستين في مذكرة.
وأشار محللو “آر بي سي كابيتال ماركتس” بقيادة لوري كالفاسينا إلى أن موسم النتائج الحالي قوي ويوفر أساساً متيناً للأسهم الأميركية، لكن المعنويات أقل تفاؤلاً من الموسم السابق”.
وأضافوا أن “التعليقات الكلية في مكالمات أرباح شركات إس آند بي 500 الأسبوع الماضي تفاوتت بين القطاعات، وكانت النبرة الأقوى من التكنولوجيا والرعاية الصحية، والأضعف من الاستهلاك”.
وأظهرت نتائج عمالقة التكنولوجيا أن أكبر الشركات في العالم لا تزال تضخ مليارات الدولارات في بنية الذكاء الاصطناعي، ما عزز تفاؤل المستثمرين ودعم الرهان على استمرار هذه الموجة.
وقال أنتوني ساغليمبين من “أميري برايز” إن “نتائج العظماء السبعة الأسبوع الماضي كانت مثيرة للإعجاب عبر القطاعات كافة، ونعتقد أن تحديثاتهم وتوقعاتهم تعزز قناعتنا باستمرارية المحركات الهيكلية طويلة الأجل في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي”.
وأشار إلى أنه باستثناء ظروف ذروة الشراء على المدى القريب في قطاع التكنولوجيا والسوق الأوسع، والتي قد تُشعل شرارة تراجع مؤقت في مرحلة ما قبل نهاية العام، تبدو الظروف الأساسية للأسهم الأكثر امتلاكاً في السوق قوية للغاية ومُستقرة جيداً مع اقتراب عام 2026.
وقال مايكل براون من شركة “بيبرستون”: “من الواضح تماماً، في رأيي، أن المسار الأقل مقاومة ما زال يقود الأسهم نحو الصعود حتى نهاية العام، مع استمرار نمو الأرباح عند مستويات مثيرة للإعجاب فعلاً، إلى جانب الطبيعة المتينة الكامنة للاقتصاد الأميركي، والبيئة النقدية الأكثر مرونة، والعوامل الموسمية القوية أيضاً”.
يُعتبر موسم الأرباح الحالي واحداً من أقوى المواسم منذ سنوات، وإن لم ينعكس ذلك بالكامل في أداء الأسهم. فمع إعلان أكثر من 70% من الشركات نتائجها حتى الآن، ارتفعت الأرباح بنحو 13% مقارنة بالعام الماضي، أي ما يقرب من ضعف التوقعات التي سبقت الموسم، وفقاً لكريستوفر كين وويندي سونغ من “بلومبرغ إنتليجنس”.
ومع ذلك، فإن المفاجآت الإيجابية تدفع الأسعار للارتفاع بشكل أقل من المعتاد، بينما تُعاقَب النتائج المخيبة للآمال بحدة مضاعفة.
وقال محللو “بلومبرغ إنتليجنس”: “إنها سوق تكافئ القوة على الورق، لكنها تتطلب الكمال في التطبيق”.






