توقف صعود قطاع التكنولوجيا مع تراجع مؤشرات الأسهم الأميركية عن مستوياتها القياسية. وتبددت موجة التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي بفعل التوترات الجيوسياسية مع دخول الإغلاق الحكومي الأميركي يومه الثالث. وانخفضت عوائد الخزانة والدولار.
تراجع مؤشر “ناسداك 100” (Nasdaq 100) بنسبة 0.4%، فيما استقر مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500) دون تغيير. وجاء هذا الضعف رغم أن المؤشر الأوسع للسوق شهد تداولات لـ114 جلسة دون أي هبوط تصحيحي بنسبة 5%. كانت أسهم “بالانتير تكنولوجيز” (Palantir Technologies) من بين أكبر الخاسرين، إذ هبطت 7.5% بعد تقرير يفيد بأن نظام الاتصالات في ساحة المعركة الخاص بالشركة الدفاعية كان معيبًا بشكل خطير، وهو الادعاء الذي دحضته الشركة.
زاد قلق المستثمرين بعد تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترمب من عواقب وخيمة إذا لم توافق حركة “حماس” على خطته لإنهاء الحرب في غزة. وخلال إفادة في البيت الأبيض، كررت المتحدثة باسم الرئاسة كارولين ليفيت تهديدات الإدارة بتسريح موظفين فيدراليين وسحب التمويل من معاقل الحزب الديمقراطي مثل بورتلاند وأوريغون.
سوق عمل ضعيفة
بينما تأخر نشر بيانات الوظائف غير الزراعية من “مكتب إحصاءات العمل” بسبب الإغلاق، أشارت مؤشرات من القطاع الخاص خلال الأيام الأخيرة إلى ضعف في التوظيف، وتسريحات محدودة، ونمو متواضع في الأجور، وتراجع الطلب على العمالة في سبتمبر. وأظهرت بيانات “معهد إدارة التوريد” يوم الجمعة أن قطاع الخدمات الأميركي تعثر في سبتمبر مع انكماش النشاط التجاري للمرة الأولى منذ الجائحة وتباطؤ نمو الطلبات.
قطاع الخدمات الأميركي يتراجع وسط أضعف نشاط للأعمال منذ 2020
وبالتالي، مازال المتداولون واثقين من أن الاحتياطي الفيدرالي سيُجري خفضاً إضافياً للفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في أكتوبر، رغم عدم صدور البيانات. ويتجه الدولار لتسجيل أسوأ أسبوع منذ أغسطس، بينما تراجع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، وهو مرجع رئيسي لتكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة، بأكثر من خمس نقاط أساس خلال الفترة نفسها.
صفقات الذكاء الاصطناعي
في الوقت نفسه، دفعت موجة جديدة من صفقات وشراكات الذكاء الاصطناعي الكبيرة مؤشرات الأسهم إلى مستويات قياسية جديدة يوم الجمعة، بعدما أنباء أن شركة “غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” (Global Infrastructure Partners) تجري محادثات متقدمة للاستحواذ على “ألايند داتا سنترز” (Aligned Data Centers) بقيمة تقارب 40 مليار دولار. وفي آسيا، دخلت “هيتاشي” (Hitachi) اليابانية في شراكة مع “أوبن إيه آي” (OpenAI) بمجال الطاقة والبنية التحتية ذات الصلة، فيما وسّعت “فوجيتسو” (Fujitsu) تعاونها مع “إنفيديا”.
جاءت موجة الشراكات والصفقات يوم الجمعة بعد يوم واحد من عملية بيع حصص ملكية رفعت تقييم “أوبن إيه آي” إلى 500 مليار دولار. دفعت أسهم الذكاء الاصطناعي السوق لتحقيق مستويات قياسية متتالية هذا العام، مدعومة أيضاً بآمال تيسير السياسة النقدية والأرباح القوية للشركات.
بيزوس: طفرة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي “فقاعة” ستؤتي ثمارها
صعود مؤشرات الأسهم لمستويات قياسية أثار تساؤلات حول مدى قدرة السوق على الاستمرار. إذ تتزايد المخاوف من تضخم التقييمات، بينما لم تُترجم بعد موجة الإنفاق إلى أرباح حقيقية.
كتب آدم كريسافولي من شركة “فايتال نولدج” (Vital Knowledge): “رغم صعوبة الوقوف في وجه هذا السوق، إلا أن الغيوم تتلبد في الأفق، من بينها أمور شبيهة بأواخر التسعينيات في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والفجوة بين خطاب الفيدرالي وتوقعات السوق بشأن خفض الفائدة”. وأضاف أن المتشائمين يرون المستثمرين “متساهلين جداً حيال الإغلاق الحكومي، إذ يفترض معظمهم أنه سينتهي خلال أسبوعين، لكن لا يبدو أن هناك تقدماً ملموساً نحو تسوية”.
وبحسب استراتيجيي أسعار الفائدة في “مورغان ستانلي”، يُظهر تسعير عقود خيارات الخزانة أن الإغلاق، الذي بدأ الأربعاء، سيستمر ما بين 10 إلى 29 يوماً.
إلى متى سيستمر إغلاق الحكومة الأميركية؟.. “مورغان ستانلي” يجيب
يختلف مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي حول مدى الحاجة لمزيد من خفض الفائدة بعد تقليص المعدل الأساسي بربع نقطة مئوية الشهر الماضي. فقد كرر أوستان غولسبي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، دعوته للتريث، بينما قال ستيفن ميران، عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي طالب بخفض أكبر في سبتمبر، إنه قد يغيّر نظرته إذا ارتفعت تكاليف السكن بشكل مفاجئ.
إشارات تحذير
ومن بين الإشارات على أن السوق دخلن منطقة خطرة: بقاء مؤشر معنويات تابع لـ”باركليز” قريباً من مستوى يشير إلى “الإفراط في التفاؤل”، فيما عاد مؤشر آخر تابع لـ”بلومبرغ إنتليجنس” إلى “منطقة الهوس” التي سبقت سابقاً عوائد ضعيفة.
بينما يراهن المستثمرون على أن المليارات المتدفقة إلى قطاع الذكاء الاصطناعي ستترجم إلى أرباح وتواصل دفع أسهم التكنولوجيا للصعود، فإن المؤشرات الرئيسية باتت تقترب من مستويات فنية عادة ما تنذر بانعكاس قريب.
في سوق السلع، تراجع سعر النفط دون مستوى 61 دولاراً للبرميل هذا الأسبوع قبيل قرار “أوبك+” بشأن الإمدادات، لكنه ارتفع يوم الجمعة بعد تحذير ترمب بشأن غزة.
الذهب يواصل الصعود
يتجه سعر الذهب لتحقيق مكاسب للأسبوع السابع على التوالي، مدعوماً بمشتريات البنوك المركزية وسط انخفاض أسعار الفائدة الأميركية واستمرار المخاوف بشأن التضخم. ورغم زخم الذكاء الاصطناعي وصعود أسهم الرقائق هذا العام، كانت أسهم شركات تعدين الذهب هي الرهان الأفضل.
أسهم شركات تعدين الذهب تصعد 135% لتثبت أنها الأفضل في 2025
رأي استراتيجيي “بلومبرغ”:
“الأسهم قلصت مكاسبها بعد بيانات مؤشر الخدمات التي أظهرت تراجع النشاط الاقتصادي، مع استمرار الضغوط التضخمية. وهذا مزيج غير إيجابي للأصول عالية المخاطر، التي ارتفعت بفضل التفاؤل بخفض الفائدة”.
-تاتيانا داري، خبيرة استراتيجية كلية في “ماركتس لايف”.