شهدت أسعار النفط انخفاضاً ملحوظاً للأسبوع الثاني على التوالي، حيث تفوقت المخاوف المتعلقة بزيادة المعروض في السوق على التوترات الجيوسياسية التي كانت تهدد إمدادات النفط العالمية. وقد تذبذبت أسعار النفط خلال الأسبوع، مع وصول خام غرب تكساس الوسيط إلى أدنى مستوى له منذ حوالي خمس سنوات، قبل أن يرتفع بشكل طفيف في نهاية التداولات. هذا الانخفاض يعكس تحولاً في توقعات السوق، مع تزايد التركيز على جانب العرض.
وقد ساهم هجوم أوكرانيا على ناقلة نفط تابعة للأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط في دعم الأسعار بشكل مؤقت يوم الجمعة، لكن هذا التأثير لم يكن كافياً لعكس الاتجاه الهبوطي العام. يأتي هذا الهجوم في إطار تصعيد للتوترات البحرية التي تستهدف السفن المرتبطة بصادرات النفط الروسية، مما يثير مخاوف بشأن اضطرابات محتملة في الإمدادات.
مخاوف فائض النفط تطغى على المخاطر الجيوسياسية
رغم هذه التطورات الجيوسياسية، يعتقد معظم كبار المتداولين في العالم أن سوق النفط ستواجه فائضاً في المعروض في بداية العام المقبل. ووفقاً لمجموعة “ترافيغورا” (Trafigura)، وهي من أكبر شركات تجارة السلع في العالم، من المتوقع أن يتراوح سعر خام برنت بين 50 و 60 دولاراً للبرميل حتى منتصف عام 2026، قبل أن يبدأ في التعافي تدريجياً.
يتحرك السوق بالفعل استعداداً لهذا السيناريو، حيث سجلت المراكز البيعية (Short positions) هذا الأسبوع أعلى مستوى لها على الإطلاق، بالتزامن مع انخفاض ملحوظ في المراكز الشرائية (Long positions). يشير هذا إلى أن المستثمرين يتوقعون انخفاضاً في الأسعار ويسعون للاستفادة من ذلك.
خسرت أسعار النفط ما يقرب من خُمس قيمتها هذا العام، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى زيادة إنتاج النفط من قبل دول “أوبك+”، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج في مناطق أخرى حول العالم. وفي الوقت نفسه، ظل الطلب على النفط ضعيفاً نسبياً، مما ساهم في الضغط على الأسعار.
تأثير العوامل الجيوسياسية و الاقتصادية
لقد ساهمت المخاطر الجيوسياسية، خاصة تلك المتعلقة بإمدادات النفط من روسيا وفنزويلا، في التخفيف من حدة الانخفاض في الأسعار. ومع ذلك، فإن أي اتفاق سلام ينهي الحرب الروسية في أوكرانيا قد يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الأسعار، من خلال تقليل المخاطر المرتبطة باضطرابات الإمدادات.
وأشار هاريس خورشيد، الرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة “كاروبار كابيتال” (“Karobaar Capital”) في شيكاغو، إلى أن “المعنويات السائدة حالياً تتمحور حول مخاوف من وجود فائض هيكلي في المعروض”. وأضاف أن “هذه المخاوف تطغى على التوترات الجيوسياسية في كل من روسيا وفنزويلا.”
بالإضافة إلى ذلك، فإن حجم التداول المنخفض مع اقتراب عطلات نهاية العام قد يؤدي إلى تقلبات سعرية أكبر. ويرجع ذلك إلى أن عدد المتداولين النشطين في السوق يقل، مما يجعل الأسعار أكثر حساسية لأي أخبار أو أحداث.
التحليل الفني وأثر المضاربات
وقد أدى التمركز الاستراتيجي للمتداولين استعداداً لانخفاض الأسعار أيضاً إلى بعض الارتفاع الطفيف الذي شهده يوم الجمعة، حيث سعى البعض إلى تغطية مراكزهم البيعية، مما أدى إلى تعزيز حركة الصعود.
تتزايد التوقعات بأن الطلب العالمي على الوقود قد يتباطأ في عام 2024 بسبب المخاوف بشأن الركود الاقتصادي في بعض الدول الكبرى. هذا التباطؤ في الطلب سيؤدي إلى زيادة الضغط على الأسعار، مما قد يدفعها إلى مزيد من الانخفاض.
وتتأثر أسعار النفط أيضاً بتطورات أسعار صرف العملات، خاصة سعر الدولار الأمريكي. فارتفاع قيمة الدولار غالباً ما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، والعكس صحيح.
بالإضافة إلى ذلك، تراقب السوق عن كثب أي تغييرات في السياسة النقدية للبنوك المركزية الكبرى، مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، حيث يمكن أن تؤثر هذه التغييرات على التضخم والنمو الاقتصادي، وبالتالي على الطلب على النفط.
من المتوقع أن تستمر المخاوف بشأن فائض المعروض في التأثير على أسعار النفط في الأيام والأسابيع القادمة. وسيكون المستثمرون يراقبون عن كثب البيانات الاقتصادية، وأي تطورات جيوسياسية، وقرارات “أوبك+” بشأن الإنتاج، لتقييم الاتجاه المستقبلي للأسعار. يبقى تحديد مسار الأسعار في الأشهر المقبلة أمراً غير مؤكد، ويعتمد على تفاعل مجموعة معقدة من العوامل.






