شهد سعر الذهب ارتفاعًا تاريخيًا جديدًا في تعاملات اليوم الثلاثاء، متجاوزًا بذلك حاجز 4480 دولارًا للأونصة، ومسجلًا اليوم الخمسين الذي يحقق فيه المعدن الثمين أرقامًا قياسية خلال العام الحالي. يأتي هذا الارتفاع مدفوعًا بالتوترات الجيوسياسية المتصاعدة وتوقعات السوق بشأن احتمال قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض إضافي لأسعار الفائدة. ورافق ذلك صعود ملحوظ في سعر الفضة إلى مستويات قياسية أيضًا.
وقد حقق الذهب مكاسب بنسبة 2.4% في الجلسة السابقة، وهو أكبر ارتفاع يومي له منذ أكثر من شهر. ويعكس هذا الأداء القوي استمرار الثقة في الذهب كملاذ آمن في ظل التقلبات الاقتصادية والسياسية العالمية. كما أدت زيادة الطلب على الفضة إلى ارتفاعها بنسبة 1% لتصل إلى 69.7060 دولار.
ارتفاع أسعار الذهب: عوامل رئيسية وتوقعات مستقبلية
يعتبر الذهب تقليديًا مخزنًا للقيمة وفيلاً للمال، ويستفيد من عدة عوامل في الوقت الحالي. أحد أهم هذه العوامل هو توقعات المتعاملين بخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي لكلفة الاقتراض في العام القادم، مما سيؤدي إلى خلق بيئة منخفضة الفائدة تفضل الاستثمار في الأصول التي لا تدر عوائد نقدية مباشرة مثل المعادن الثمينة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم التوترات الجيوسياسية في تعزيز جاذبية الذهب كملاذ آمن للمستثمرين.
وشهد الأسبوع الماضي تصاعدًا في هذه التوترات، خاصةً مع فرض الولايات المتحدة قيودًا على صادرات النفط الفنزويلية، في محاولة لزيادة الضغط على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو. هذه الأحداث تزيد من عدم اليقين في الأسواق، وتدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول أكثر أمانًا.
أداء الذهب والفضة في 2024
حقق الذهب مكاسب كبيرة هذا العام، حيث ارتفع بنسبة تقدر بـ 70%، مدفوعًا بشكل رئيسي بزيادة مشتريات البنوك المركزية وتدفقات الأموال القوية إلى الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب. وتظهر بيانات “مجلس الذهب العالمي” أن إجمالي الحيازات في هذه الصناديق قد ارتفع شهريًا باستثناء شهر مايو.
وبشكل مماثل، شهدت الفضة أداءً استثنائيًا، حيث ارتفعت بنسبة 140%، متفوقة على أداء الذهب. ويعزى هذا الارتفاع إلى عوامل متعددة، بما في ذلك التدفقات المضاربية القوية والاضطرابات المستمرة في الإمدادات. ويرجع جزء من هذا الارتفاع أيضًا إلى تصحيح بعد موجة بيع تاريخية شهدتها في أكتوبر.
الاستثمار في المعادن الثمينة شهد زخمًا متزايدًا هذا العام، مدفوعًا بتحركات المستثمرين بعيدًا عن السندات السيادية والعملات المقومة بها، وذلك بسبب المخاوف المتعلقة بتآكل قيمتها في ظل ارتفاع مستويات الديون. هذه الظاهرة، المعروفة بتجارة “خفض قيمة العملة”، تدفع المستثمرين إلى البحث عن أصول بديلة للحماية من المخاطر الاقتصادية.
تعافى الذهب بقوة بعد تراجعه من ذروته السابقة عند 4381 دولارًا في أكتوبر، مما يشير إلى أن السوق قد تجاوزت مخاوف المبالغة في التقييم. وبالتالي، أصبح الذهب الآن في وضع يسمح له بمواصلة مسيرة الصعود في العام القادم. ويؤكد محللو “غولدمان ساكس” وعدد من البنوك الأخرى على توقعاتهم باستمرار ارتفاع أسعار الذهب في عام 2026، مع تقديرات تتراوح حول 4900 دولار للأونصة، مع وجود مخاطر صعودية إضافية.
أسعار البلاتين والبلاديوم شهدت أيضًا ارتفاعًا، حيث زاد البلاتين بنسبة 0.7%، وصعد البلاديوم بنسبة 0.2%. في المقابل، تراجع مؤشر “بلومبرغ” الفوري للدولار بنسبة 0.1%، مما يعكس قوة المعادن الثمينة مقابل العملة الأمريكية. بلغ سعر الذهب الفوري 4479.25 دولارًا للأونصة بحلول الساعة 9:20 صباحًا في سنغافورة، بينما وصل سعر الفضة إلى 69.39 دولار.
يتوقع خبراء الاقتصاد والمحللون الماليون أن تشكل التوترات الجيوسياسية وقرارات البنوك المركزية، خاصةً مجلس الاحتياطي الفيدرالي، المحركات الرئيسية لأسعار الذهب في الفترة المقبلة. من المهم متابعة تطورات هذه العوامل لتقييم المخاطر والفرص الاستثمارية. سيراقب المستثمرون عن كثب بيانات التضخم الأمريكية ومؤشرات النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى أي تطورات جديدة في الصراعات الجيوسياسية العالمية، لتحديد مسار أسعار الذهب في المستقبل.





