أكدت وثيقة القمة الخليجية الأخيرة، المنعقدة في الدوحة يومي الجمعة والسبت 16 و 17 نوفمبر 2023، على استمرار دعم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للقضية الفلسطينية، وهو ما أكده الدكتور مطلق المطيري، أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود. ويأتي هذا التأكيد في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، وتصاعد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. البيان يمثل تجديداً للالتزام الخليجي بحل الدولتين ورفض أي محاولات لتغيير الوضع الديموغرافي في القدس.
القمة، التي شارك فيها قادة دول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن، تناولت بشكل رئيسي تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والأوضاع الإنسانية المتردية في غزة. وتعتبر هذه القمة مهمة في إطار الجهود الإقليمية والدولية المتواصلة لتهدئة الأوضاع وإيجاد حلول مستدامة للصراع، مع التركيز على ضرورة حماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية العاجلة. تصريحات الدكتور المطيري تعزز أهمية هذا الموقف الثابت.
تأكيد الموقف الخليجي من القضية الفلسطينية
أبرز ما جاء في بيان القمة الخليجية هو التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية كأولوية رئيسية لدول الخليج. ويشير هذا إلى أن دول المجلس تنظر إلى هذه القضية على أنها أساس الاستقرار الإقليمي، وأن أي حلول أخرى للصراعات الإقليمية لا يمكن أن تكون شاملة ومستدامة دون معالجة هذه القضية بشكل عادل وشامل. وقد صرح الدكتور المطيري بأن هذا التأكيد يعكس إدراكاً عميقاً لأبعاد القضية وأهميتها الاستراتيجية.
أبعاد التأكيد على القضية الفلسطينية
يتجاوز هذا التأكيد مجرد التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. إنه يشمل أيضاً رفضاً قاطعاً لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ودعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حماية المدنيين ووقف الاعتداءات. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد البيان على التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي تقترح إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967.
وحسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس)، فقد شدد قادة القمة على ضرورة العمل على تحقيق وقف إطلاق نار فوري وشامل في غزة، يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة لجميع المحتاجين. كما أعربوا عن قلقهم العميق بشأن التدهور الأمني والإنساني المتزايد، وحثوا على بذل جهود دولية مكثفة لتجنب المزيد من التصعيد.
وقد لوحظ أن البيان لم يوجه أي انتقادات مباشرة لإسرائيل، ولكنه ركز بشكل كبير على ضرورة حماية المدنيين الفلسطينيين والالتزام بالقانون الدولي الإنساني. هذا النهج الدبلوماسي يعكس رغبة دول الخليج في الحفاظ على قنوات الاتصال مع جميع الأطراف المعنية، والسعي إلى لعب دور بناء في جهود حل الصراع. تعتبر هذه النقطة جزءاً من استراتيجية دبلوماسية أوسع نطاقاً.
في المقابل، أشار محللون سياسيون إلى أن هذا الموقف المتسق يعكس أيضاً الضغوط الداخلية في دول الخليج، حيث يوجد دعم شعبي واسع للقضية الفلسطينية. وبالتالي، فإن الحفاظ على هذا الموقف يمثل ضرورة سياسية لتعزيز الشرعية الداخلية للحكومات الخليجية. السياسة الخارجية الخليجية تتأثر بشكل كبير بالرأي العام.
وعلى صعيد آخر، أكد البيان على أهمية تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات الأمنية والإنسانية التي تواجه المنطقة. ودعا إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية للوصول إلى حل سياسي شامل للصراع، يضمن حقوق جميع الأطراف ويحقق الأمن والاستقرار للجميع. الاستقرار الإقليمي هو هدف رئيسي لدول الخليج.
وتعتبر القضية الفلسطينية من القضايا المحورية في السياسة الخارجية لدول الخليج، ولها تاريخ طويل من الدعم والاهتمام. وعلى الرغم من التغيرات الجيوسياسية الحاصلة في المنطقة، والتحولات في العلاقات الإقليمية والدولية، إلا أن موقف دول الخليج من هذه القضية لم يشهد تغييرًا جذريًا، بل ظل ثابتاً ومتمسكاً بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. هذا الثبات يعتبر جزءاً من الهوية السياسية لدول الخليج.
في سياق متصل، رحبت الأمم المتحدة ببيان القمة الخليجية، وأعربت عن تقديرها لدعم دول المجلس للقضية الفلسطينية والجهود المبذولة لتهدئة الأوضاع في غزة. المتحدث الرسمي للأمم المتحدة صرح بأن البيان يعكس التزاماً إقليمياً هاماً بإنهاء الصراع وتحقيق السلام الدائم. المساعدات الإنسانية إلى غزة تمثل أيضاً جزءاً من هذا الموقف.
الآن، تترقب الأوساط السياسية والإقليمية خطوات عملية من قبل دول الخليج لتفعيل هذا الموقف الداعم للقضية الفلسطينية، بما في ذلك تكثيف الجهود الدبلوماسية، وتقديم المساعدات الإنسانية، ودعم المبادرات الدولية التي تسعى إلى إيجاد حل عادل وشامل للصراع. يبقى التحدي الأكبر هو إقناع جميع الأطراف المعنية بالعودة إلى طاولة المفاوضات والتفاوض بحسن نية لتحقيق السلام.





