لم تقتصر آثار حرب روسيا وأوكرانيا -والتي أتمت أمس الاثنين عامها الثالث- على الخسائر البشرية والاقتصادية فحسب، بل خلّفت تأثيرات بيئية جسيمة تهدد النظام البيئي في المنطقة، وذلك نتيجة التفجيرات المتواصلة وحرائق الغابات والتسريبات الكيميائية.

ومنذ 24 فبراير/شباط 2022، تضرر أكثر من 3 ملايين هكتار من الغابات الأوكرانية بما في ذلك مليون هكتار في المحميات، نتيجة حفر الخنادق وقطع الأشجار وزراعة الألغام في مناطق القتال، وفقا لصندوق الحياة البرية العالمي.

كما أدت الحرائق الناجمة عن القذائف المتبادلة إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفق المصدر السابق الذي أكد إمكانية رؤية سحب عملاقة من الدخان تتصاعد بجوار خط المواجهة الحدودي الذي يبلغ طوله 600 ميل (نحو 966 كيلومترا).

الدخان الناجم عن القصف المتبادل بين روسيا وأوكرانيا أدى إلى زيادة بانبعاثات الكربون (رويترز)

انبعاثات كبيرة

وأفادت دراسة نشرت أمس الاثنين بمجلة إيكواكشن بأن الانبعاثات الناتجة عن حرائق الغابات نتيجة الحرب بأوكرانيا أسهمت في تفاقم أزمة المناخ عالميا في ظل تدمير النظم البيئية التي كانت تمتص الكربون.

وكشفت الدراسة أن حرائق الغابات في أوكرانيا تسببت في إطلاق ما يقرب من 120 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون خلال الأشهر الأولى من الحرب.

وكان تقرير سابق -نشرته لجنة الإنقاذ الدولية في سبتمبر/أيلول 2024- أفاد بأنه خلال عامين من الحرب وصلت الانبعاثات الكربونية إلى 175 مليون طن متجاوزة الانبعاثات السنوية للدول الصناعية.

وأوضح أن الرقم التراكمي للانبعاثات بعد عامين من الحرب يساوي الانبعاثات الكربونية لخمس دول مصنفة على أنها دول متضررة من الصراعات، وهي هاييتي وسوريا وبوركينا فاسو واليمن والصومال.

Oleksandr Fomenko, 8, stands in one of the few sections of his native forest that hasn't been mined and is accessible for mushroom picking, near Yarova, Sviati Hory national park, Donetsk region, amid Russia's attack on Ukraine, July 28, 2024. About 425,000 hectares of forest across the country have been found to be contaminated by mines and unexploded ordnance, an area half the size of Cyprus, according to the environment ministry. The damage to forests is part of a broader trail of environmental destruction caused by the war, which could leave a bleak natural legacy for decades to come, having poisoned earth and rivers, polluted the air and left vast tracts of the country riddled with mines, according to the experts. "I lived here all my life. My parents lived here, my grandmother lived here," Oleksandr's grandmother Zhenia, 49, said. "I always knew where the mushrooms would grow. But now, I don't. We can only go to places that have been demined." REUTERS/Thomas Peter SEARCH "PETER UKRAINE FORESTS" FOR THIS STORY. SEARCH "WIDER IMAGE" FOR ALL STORIES.
غابات أوكرانيا تواجه مخاطر هائلة نتيجة الحرب أدت إلى تهديد موائل برية (رويترز)

تهديد الموائل

وأدت العمليات القتالية إلى كوارث بيئية هددت بفقدان أنواع مهددة بالانقراض. ففي يونيو/حزيران 2023 فجّر الجيش الروسي خزان كاخوفكا لإحباط هجوم مضاد أوكراني، مما أدى إلى فيضان نتيجة إطلاق أكثر من 14 ترليون لتر من المياه، الأمر الذي أسفر عن قتل حيوانات وجرف مزرعة أسماك للحفاظ على سمك الحفش المهدد بالانقراض.

كذلك، انهار النظام البيئي لنهر السيم -الذي يمر بكل من روسيا وأوكرانيا- في أغسطس/آب الماضي بعد إلقاء مواد كيميائية بالنهر أدت إلى انخفاض مستويات الأكسجين إلى الصفر، مما أسفر عن نفوق جماعي للأسماك والرخويات وجراد البحر، بعضها كان أصنافا نادرة.

وقال المسؤولون الأوكرانيون إن الحادثة أدت إلى اعتبار نهر السيم “أول نهر ميت بالكامل في أوروبا”، وفق ما نقلته صحيفة غارديان.

وأشار مسؤولون تحدثوا للغارديان إلى أن الحرب دمرت موائل مهمة للحياة البرية، دفعت أنواعا نادرة من الكائنات الحية إلى تغيير مسار هجرتها الطبيعية.

كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى نفوق عدد كبير من الدلافين والحيتان في البحر الأسود جراء الانفجارات التي سببتها الطوربيدات والألغام وبفعل ضجيج أجهزة السونار التي تستخدمها السفن الحربية.

A dead bird covered in oil lies along the sea shore at Ukraine's "Kosa Tuzla" island, near Black Sea port Kerch November 15, 2007. A severe storm broke a small Russian oil tanker in two off the Ukrainian port of Kerch on Sunday, spilling up to 2,000 tonnes of fuel oil in what a Russian official said was an "environmental disaster". REUTERS/ Gleb Garanich (UKRAINE)
النشاط الحربي بالبحر الأسود أدى إلى نفوق عدد كبير من الحيوانات والطيور (رويترز)

نشاط إشعاعي

وأسفرت الحرب أيضا عن عودة النشاط الإشعاعي في منطقة تشيرنوبيل، التي بقيت تربتها مستقرة لمدة 40 عاما بعد كارثة المفاعل النووي.

وأشارت تقارير إخبارية إلى أن الجنود الروس حفروا في تربة المنطقة الملوثة بالإشعاعات، مما أدى إلى نشاطها، وذلك بعد سيطرتهم على محطة الطاقة النووية في تشيرنوبيل عام 2022.

وكانت هيئة التفتيش الحكومية التنظيمية النووية الأوكرانية أكدت ارتفاع مستويات الإشعاع بالمنطقة، قائلة إن “المركبات العسكرية الثقيلة التي تثير أتربة ملوثة في المنطقة العازلة المحيطة بمحطة الطاقة المهجورة سببت ذلك”.

ويحذر الخبراء من أن التأثيرات البيئية للحرب في أوكرانيا قد تستمر لعقود، مما يجعل مواجهة آثارها أمرا لا يقل أهمية عن إعادة إعمار المدن المدمرة.

شاركها.