يطبّق المجتمع الدولي عقوبات اقتصادية مشددة على كوريا الشمالية، إلا أن جهود قطع التمويل عن الدولة لا تزال تواجه تحديات كبيرة. وكشفت تحقيقات حديثة عن شبكات مالية معقدة تستخدم غسل الأموال، والعملات المشفرة، والشركات الوهمية للتحايل على هذه العقوبات، مما يثير قلقًا متزايدًا حول قدرة النظام على تمويل برامجه المحظورة.
وتشير التقارير إلى أن هذه الشبكات، التي يقودها أفراد يتحركون في الخفاء، تستغل الثغرات في النظام المالي العالمي لإبقاء تدفق الأموال إلى بيونغ يانغ مستمرًا. ويكشف تحقيق استقصائي أجرته صحيفة وول ستريت جورنال تفاصيل إحدى هذه الشبكات، التي يترأسها مصرفي كوري شمالي أصبح هدفًا دوليًا رئيسيًا.
غسل الأموال لصالح كوريا الشمالية: شبكة معقدة تتحدى العقوبات
تتركز التحقيقات حول سيم هيون سوب، المصرفي الكوري الشمالي الذي تتهمه السلطات الأمريكية بإدارة عمليات غسل الأموال واسعة النطاق لصالح نظام كيم جونغ أون. وقد رفع مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) مكافأة القبض عليه إلى 7 ملايين دولار، مما يعكس الأهمية التي توليها واشنطن لإيقاف أنشطته المالية.
وتصف وزارة العدل الأمريكية سيم بأنه أحد أخطر العقول المالية العاملة في الخفاء لصالح النظام الكوري الشمالي. ويُعتقد أنه يتمتع بمهارات عالية في إدارة العمليات المالية المعقدة، مما جعله شخصية محورية في جهود النظام لتجاوز العقوبات الدولية.
دور العملات المشفرة والشركات الوهمية
تعتمد شبكة سيم على استخدام العملات المشفرة، والوسطاء الماليين، والشركات الوهمية في عدة دول لإخفاء مصدر الأموال وتحويلها إلى النظام الكوري الشمالي. وتُظهر الوثائق أن بنوكًا أمريكية كبرى، مثل سيتي بنك وجيه بي مورغان وويلز فارغو، نفذت معاملات مرتبطة بهذه الشبكة دون علمها، مما يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات المالية في الكشف عن هذه الأنشطة غير القانونية.
وتشير التحقيقات إلى أن هذه الشبكة تستخدم أيضًا العمالة التقنية غير المشروعة، حيث يعمل آلاف الكوريين الشماليين في الخارج بهويات مزيفة، خاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، لتحويل الأموال إلى النظام. بالإضافة إلى ذلك، يُتهم قراصنة مرتبطون بالنظام بشن هجمات إلكترونية لسرقة الأموال من المؤسسات المالية حول العالم.
صلات محتملة مع إيران
تثير بعض الأدلة تساؤلات حول وجود صلات مالية محتملة بين شبكات كوريا الشمالية وإيران. فقد تتبعت شركة “تي آر إم” المتخصصة في تتبع المعاملات المشفرة تحويلات من محفظة يسيطر عليها سيم إلى محفظة يُعتقد أنها مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. هذا يشير إلى احتمال تبادل العملات المشفرة مقابل النفط أو الخدمات بين الدولتين، مما قد يعقد جهود مكافحة تمويل الإرهاب والعقوبات المفروضة عليهما.
وتشير التقارير إلى أن سيم كان يتمتع بعلاقات قوية في المنطقة العربية، مما جعله حلقة وصل مهمة في جهود النظام الكوري الشمالي لتجاوز العقوبات. وتُظهر التحقيقات أنه انتقل إلى مدينة داندونغ الصينية، مستفيدًا من عدم وجود اتفاقية لتسليم المطلوبين بين الصين والولايات المتحدة.
تداعيات هذه الشبكات على الأمن الدولي
يمثل الكشف عن هذه الشبكات المالية تحديًا كبيرًا للجهود الدولية الرامية إلى عزل كوريا الشمالية اقتصاديًا ومنعها من تطوير أسلحة الدمار الشامل. وتؤكد هذه التحقيقات على ضرورة تعزيز الرقابة على المعاملات المالية، وتطوير آليات أكثر فعالية للكشف عن أنشطة غسل الأموال، والتعاون الدولي لمكافحة هذه الظاهرة.
وتشير وزارة الخزانة الأمريكية إلى أنها ستواصل اتخاذ إجراءات ضد الأفراد والكيانات المتورطة في تمويل برامج الأسلحة في كوريا الشمالية. ومن المتوقع أن تزيد الولايات المتحدة من الضغط على الصين لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمنع الشركات والأفراد الكوريين الشماليين من استخدام نظامها المالي.
في الختام، يظل تتبع وتقويض هذه الشبكات المالية المتطورة يمثل أولوية قصوى للمجتمع الدولي. من المتوقع أن تستمر التحقيقات في هذا الملف، مع التركيز على تحديد جميع الأفراد والكيانات المتورطة، وتوسيع نطاق العقوبات لتشمل المزيد من الجهات الفاعلة. يبقى من غير الواضح حتى الآن مدى نجاح هذه الجهود في تحقيق هدفها النهائي المتمثل في قطع التمويل عن كوريا الشمالية، ولكن من المؤكد أن هذه القضية ستظل قيد المراقبة الوثيقة في الأشهر والسنوات القادمة.






