شهدت الأسواق المالية الأمريكية تراجعًا ملحوظًا في ختام تداولات اليوم، مع تقليص المستثمرين لمراكزهم في أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى قبيل نهاية العام. تزامنت هذه الحركة مع تقلبات حادة في أسعار المعادن النفيسة، خاصةً بعد تراجع سعر الفضة بشكل كبير عقب بلوغه مستوى قياسيًا. هذا التراجع في الأسهم الأمريكية يعكس حالة من الحذر السائدة في السوق.
انخفض مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 0.3%، متأثرًا بشكل خاص بتراجع أسهم شركات مثل “تسلا” و”إنفيديا” و”ميتا بلاتفورمز”. كما هبط مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 0.5%. وفي المقابل، انخفض عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 4.11%، مما يشير إلى توجه المستثمرين نحو الأصول الأكثر أمانًا.
أداء الأسهم الأمريكية في ظل التغيرات الاقتصادية
على الرغم من هذا التراجع الأخير، لا يزال مؤشر “إس آند بي 500” يحقق مكاسب قوية منذ بداية العام، حيث ارتفع بنحو 17%، متجاوزًا بذلك العديد من التوقعات السلبية. ومع ذلك، فإن أداءه كان أضعف مقارنة بالعديد من الأسواق العالمية الأخرى. ويرى خبراء الاقتصاد أن هذا التباين يعكس اختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم.
أشار جو مازولا، رئيس استراتيجيات التداول والمشتقات لدى “تشارلز شواب”، إلى أن ضعف أداء الأسهم يعكس رد فعل طبيعي بعد الارتفاعات الكبيرة التي شهدها الأسبوع الماضي، والتي قادتها أسهم التكنولوجيا. وأضاف أن هذا التراجع لا يبدو مرتبطًا بعامل أساسي واحد بعينه، بل هو نتيجة لتجميع الأرباح وتصحيح مؤقت في السوق.
توقعات النمو الاقتصادي وتأثير السياسات
وفقًا لتحليلات “بلومبرغ ماركتس لايف”، كان من المتوقع أن يشهد كل من الدولار الأمريكي ومؤشر “إس آند بي 500” أداءً قويًا في عام 2025، إلا أن بعض التطورات غير المتوقعة، مثل التوترات التجارية والتقلبات في السياسات الأمريكية، أدت إلى تراجع الثقة في السوق لفترة وجيزة. ومع ذلك، لا يزال المحللون متفائلين بشأن آفاق النمو الاقتصادي الأمريكي في العام المقبل.
يشير جايسون برايد ومايكل رينولدز من “غلينميد” في مذكرة حديثة إلى أن التأثيرات المشتركة للسياسات الجمركية، والتحفيز المالي، والتغيرات في سوق العمل، والتقدم التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي، قد تدعم النمو الاقتصادي الأمريكي في عام 2026. ويتوقعون أن يتجاوز النمو الاقتصادي المعدل الطبيعي في ذلك العام.
تقلبات أسعار المعادن والنفط
شهدت أسعار المعادن النفيسة تقلبات حادة، حيث انخفضت الفضة بأكثر من 8% بعد أن تجاوزت 80 دولارًا للأونصة، بينما تراجع الذهب بأكثر من 4%. يعزى هذا التراجع إلى جني الأرباح بعد الارتفاعات الكبيرة التي شهدتها هذه المعادن في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى بعض الضغوط من تصريحات إيلون ماسك حول قيود التصدير الصينية.
في المقابل، ارتفعت أسعار النفط مع استمرار التوترات الجيوسياسية وفشل المحادثات بشأن أوكرانيا. كما ساهم تعهد الصين بدعم النمو الاقتصادي في زيادة الطلب على النفط. ومع ذلك، لا يزال خام “برنت” متجهًا لتسجيل خامس انخفاض شهري على التوالي في ديسمبر، وهو أطول سلسلة خسائر منذ أكثر من عامين.
وفي أسواق العملات الرقمية، تجاوزت عملة “بتكوين” مستوى 90 ألف دولار قبل أن تتخلى عن جزء من مكاسبها، بينما استقر مؤشر الدولار دون تغيير يذكر.
بشكل عام، تشير التطورات الأخيرة في الأسواق المالية إلى حالة من عدم اليقين والحذر السائدة بين المستثمرين. من المتوقع أن يستمر هذا الوضع في المدى القصير، مع ترقب المستثمرين لبيانات اقتصادية جديدة وتطورات سياسية قد تؤثر على مسار الأسواق. سيراقب المستثمرون عن كثب بيانات التضخم ومقررات البنوك المركزية في الأشهر القادمة لتقييم المخاطر واتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.





