تتصاعد التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مع استمرار الغارات الإسرائيلية على مناطق في جنوب وشرق لبنان، في إطار ما تصفه إسرائيل بـ”الردع العقابي”. يهدف هذا الردع إلى زيادة التكلفة على حزب الله ومنعه من إعادة بناء قدراته العسكرية، وفقًا لتحليلات الخبراء العسكريين. وتأتي هذه التطورات بعد إعلان الجيش الإسرائيلي عن قصف أهداف تابعة للحزب في جنوب لبنان ومنطقة الهرمل.
أكد الجيش الإسرائيلي في بيان له أنه استهدف مجمعًا للتدريب والتأهيل تابعًا لوحدة الرضوان، بالإضافة إلى مستودعات لتخزين الأسلحة، زاعمًا أن هذه الأهداف تشكل خرقًا لتفاهمات وقف الأعمال العدائية. تأتي هذه التصريحات وسط تبادل مستمر لإطلاق النار بين الطرفين منذ بداية الصراع في أكتوبر 2023.
استراتيجية “الردع العقابي” وأهدافها
يرى العميد إلياس حنا، الخبير العسكري، أن الغارات الإسرائيلية لا تعتبر عمليات استباقية مرتبطة بتهديد مباشر، بل جزءًا من استراتيجية “الردع العقابي” الأوسع. تعتمد هذه الاستراتيجية على مبدأ “الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع”، وتسعى إلى إحباط أي محاولة من قبل حزب الله لإعادة بناء ترسانته العسكرية.
وأضاف حنا أن نطاق هذه العمليات يتوسع جغرافيًا، فلم تعد مقتصرة على جنوب الليطاني، بل امتدت إلى شماله بالقرب من صيدا، وصولًا إلى مناطق في البقاع وعلى الحدود السورية اللبنانية. يعكس هذا التوسع اتساع نطاق الاستهداف الإسرائيلي للمواقع التابعة للحزب.
تغيير في العقيدة الإسرائيلية
يشير المحللون إلى أن هذه التطورات تعكس تغييرًا جذريًا في العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023. يصف حنا هذا التغيير بـ”التحول البنيوي” في التفكير العسكري، والذي يتميز بتوسع العمليات الإسرائيلية في مختلف الجبهات، والاعتماد على التفوق الجوي والاستخباراتي.
ومع ذلك، يرى حنا أن إسرائيل تواجه صعوبة في ترجمة “النصر العسكري” إلى مكاسب سياسية، حيث لا توجد إمكانية لفرض استسلام أو تسوية مباشرة مع حزب الله. لذلك، تلجأ إلى “الردع العقابي” من خلال التدمير الواسع، بهدف رفع التكلفة على الحزب والحفاظ على حالة التوتر الدائم في العلاقة بينه وبين الدولة اللبنانية.
تقييم نجاح الغارات الإسرائيلية
يعتبر قياس نجاح الغارات الإسرائيلية أمرًا معقدًا، ويرتبط بطبيعة الأهداف التي يتم استهدافها. يرى حنا أن استهداف قيادات بارزة يُعد أعلى مستويات التصعيد، بينما يركز الجيش الإسرائيلي على تغيير “بنك الأهداف” باستمرار.
في المقابل، يرى الخبير العسكري أن رد حزب الله في هذه المرحلة سيكون محدودًا، معتبراً أن مفهوم الردع لدى الحزب قد تغير. انتقل الحزب إلى ما يسميه “الردع عبر التعطيل”، أي الاستمرار في المواجهة دون خسائر كبيرة للحفاظ على موقعه في أي معادلة مستقبلية.
ويضيف حنا أن أي رد عسكري من قبل حزب الله سيكون له تداعيات على بيئة الحزب وعلى الدولة اللبنانية، التي اختارت مسار التفاوض غير المباشر. هذا المسار يعتمد على الوساطة الدولية لتجنب التصعيد الشامل.
توقعات المستقبل
يستبعد الخبراء العسكريون حدوث اجتياح بري واسع النطاق في الوقت الحالي، لكنهم لا يستبعدون عمليات برية محدودة ونوعية بالتوازي مع القصف الجوي واستهداف البنية التحتية والقيادات العملياتية. تعتبر إسرائيل وادي الليطاني منطقة ذات أهمية خاصة، حيث ترى فيه مصدرًا رئيسيًا للتهديدات الصاروخية والمسيرة قصيرة المدى.
من المتوقع أن يشهد عام 2026 استمرار هذا النمط من التصعيد، مع تركيز خاص على وادي الليطاني، في إطار محاولة إسرائيل فرض معادلة ردع جديدة طويلة الأمد. ومع ذلك، يبقى الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية هشًا وغير مستقر، ويتطلب متابعة دقيقة للتطورات الميدانية والمساعي الدبلوماسية.
يذكر أن الصراع بين إسرائيل وحزب الله تصاعد بشكل كبير في أكتوبر 2023، مما أسفر عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص وإصابة حوالي 17 ألفًا آخرين. تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، لكن إسرائيل واصلت خرق هذا الاتفاق أكثر من 4500 مرة، مما أدى إلى مقتل وجرح المئات واحتلالها مناطق لبنانية.






